ارتفع عدد السجلات التجارية النسائية التي سجلتها وزارة التجارة السعودية خلال الأعوام الماضية بشكل ملحوظ ليصل إلى نحو 100 ألف سجل تجاري، سجلت بأسماء سيدات أعمال، فيما يبلغ عدد السجلات التجارية المسجلة في السعودية وفق أحدث التقارير أكثر من 900 ألف سجل تجاري.
وهناك سؤال يطرح دائما حول الثروات النسائية في السعودية، وهل تدار من قبل سيدات الأعمال أم هي فقط سجلات تجارية بأسماء نسائية وتدار من قبل أقارب أو عمالة وافدة متسترة.
ووفق آخر تقديرات اللجنة النسائية بمجلس الغرف السعودية فإن زيادة نمو حجم ثروات سيدات الأعمال تصل إلى نحو 20 في المائة، بينما نمت الثروات النسائية السعودية خلال الفترة الماضية من 300 مليار ريال (80 مليار دولار) إلى حدود 375 مليار ريال (100 مليار دولار) بحسب ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط.
من جانب آخر، تشير التقارير الصادر عن البنك الدولي إلى أن إجمالي أرصدة السيدات السعوديات في المصارف المحلية يبلغ نحو 60 مليار ريال، وأن إجمالي حجم ما تملكه سيدات الأعمال في السعودية يتجاوز 45 مليار ريال في البنوك السعودية، بينما تبلغ قيمة الاستثمارات العقارية باسم السعوديات نحو 120 مليار ريال، في حين أن 20 في المائة من السجلات التجارية في السعودية بأسماء نساء.
وفي تقرير صدر عن بنك «غيتهاوس» البريطاني قبل نحو عام، قدر حجم الأموال النسائية في الخليج بنحو 1.125 تريليون ريال (300 مليار دولار)، حصة السعوديات منها قرابة 375 مليار ريال (100 مليار دولار)، هذه الأموال جلها إما مودعة في حسابات بنكية أو في شركات عائلية أو مجمدة في العقارات.
وهناك رأي اقتصادي يعتقد أن سيدات الأعمال السعوديات لا يدخلن في مشروعات إنتاجية ضخمة لها مردود اقتصادي يمكن قياس تأثيره مباشرة في الناتج المحلي، وإنما تذهب جل الاستثمارات النسائية إلى القطاع العقاري والاستثمار في العقارات التي يكون مردودها على الناتج المحلي أقل مساهمة من المشروعات الصناعية الإنتاجية، ولناحية التأثير الاقتصادي والمساهمة في النمو الاقتصادي يأتي دور الثروات النسائية السعودية في المرتبة السابعة، ضمن 15 دولة عربية شملها تقرير عن مدى مساهمة الثروات النسائية في الناتج المحلي، بينما احتلت الكويتيات المرتبة الأولى في حجم المساهمة الاقتصادية.
وحول كون السعوديات يأتين في المركز الأول بالنسبة لحجم الثروات، وفي المركز السابع في الإسهام والمشاركة الاقتصادية، يمكن القول إن السعودية أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وهذا يجب أن يكون حافزا لأن تكون في المركز الأول في ما يخص المشاركة النسوية في التنمية الاقتصادية، ومن المؤكد أن كثيرا من صاحبات هذه الثروات يشار إليهن عادة بالشريك النائم أو الشريك الصامت، وهن كُثر في معظم الشركات التي تحولّت أخيرا إلى شركات مساهمة أو شركات قابضة أو شركات عائلية.
ويبقى السؤال الملح: ما هي فرص التحول من الشريك النائم إلى الشريك المستيقظ الفاعل.. أو التحول من الشريك الصامت إلى الشريك القائِل والمقرر؟
هناك رأس المال النسوي الذي لا يستهان به، وكذلك القدرات الإدارية النسائية المرموقة، إضافة إلى الالتزام العملي والإبداع الوظيفي والرغبة الشديدة في المشاركة الفعلية لدور المرأة في بناء المجتمع، سواء كان اقتصاديا، اجتماعيا، أو أكاديميا، إذن، أين يكمن الخلل؟ وما الأسباب الجوهرية الحقيقية التي تقف عائقا في طريق تحوّل صاحبات رؤوس الأموال من المشاركة النائمة إلى المشاركة الفاعلة؟.
يقول باسل غلاييني، مدير عام مؤسسة «بي إم جي» المالية «إن المساهمة الاقتصادية في الاقتصاد الوطني لها معايير متعددة.. هل هي وضع الأموال في حسابات بنكية محلية؟ إذا كان المقصود ذلك فهذا نوع من المساهمة الاقتصادية، إما إذا كان المقصود المساهمة الإنتاجية وضخ الأموال في استثمارات صناعية فهنا الإجابة تختلف، لأن النساء الثريات لا يقبلن على هذا النوع من الاستثمار»، ويوضح أن غالبية أموالهن إما مودعة في حسابات بنكية، أو في عقارات أو جزء من حصص في شركات عائلية، وكل هذه الأشكال من الثروات والأموال هي في الواقع أموال موروثة، وهي تدور في الفلك الذي كانت تدور فيه من قبل أن تسيل وتودع في الحسابات المصرفية أو تستثمر كاستثمارات محدودة في العقارات.
ويتابع غلاييني تحليله عن دور الثروات النسائية السعودية في الاقتصاد الوطني، بأن أغلب هذه الثروات عبارة عن شريك نائم سواء كانت حصصا في شركات عائلية أو عقارات، وفي الغالب لم تصل إلى مرحلة الشريك الفاعل، بحيث تدخل في استثمارات جديدة ويكون لها القرار الاستثماري والاقتصادي.
ويعتقد الخبير الاقتصادي باسل غلاييني أنه لا يوجد ضيق أمام الاستثمارات والثروات النسائية في الاقتصاد المحلي، والسيدات يعاملن معاملة الرجل في الجانب الاستثماري. ويضيف «الحكومة دعمت وجود المرأة في مجالس الأعمال ومجالس الغرف التجارية، والجيل الجديد من سيدات الأعمال أصبح لهن حضور بارز في المشهد الاقتصادي السعودي».
أمام ذلك، قالت هناء الزهير، نائبة الأمين العام لصندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لتنمية المرأة «إنه لا يمكن الربط بين كون السعوديات في المرتبة الأولى في حجم الثروات، وأنهن في المرتبة السابعة في المساهمة الاقتصادية». وأضافت «لكل من المعيارين تأثير على حدة، فحجم الثروات دليل على المجالات التي تمكنت المرأة من دخولها، ومدى قوتها اقتصاديا وتمكينها في عملها كسيدة أعمال مستثمرة قادرة على تحقيق أهدافها، وأما من ناحية مساهمتها اقتصاديا فهي حققت قفزة نوعية في سنوات قليلة جدا، وربما في الأعوام المقبلة ستحتل مرتبة أولى من حيث المساهمة اقتصاديا». وتبني الزهير توقعاتها على أساس الفرص المتاحة التي تؤكد اتساع الخيارات أمام المرأة، مما سيرفع من قيمة ونسبة مساهمتها التجارية والاقتصادية التي ستنعكس على الاقتصاد العام.
وفي جانب عدد السجلات التجارية، تعتقد الزهير أن عدد السجلات النسائية أكثر من 100 ألف سجل تجاري. وشددت على أن عدد السجلات النسائية أكبر من هذا الرقم بكثير، والسبب كما ترى أن عدد السجلات التجارية في ارتفاع سنوي، وأن الزيادة تتماشى مع خطة التنمية الاقتصادية، وتدلل على فرضيتها بأن الأعوام الخمسة الأخيرة شهدت دخول المرأة لمجالات عدة في الاستثمار، وفتحت أمامها أبواب مجالات كانت مقتصرة على المستثمرين الرجال، وهذا دليل على أن السجلات التجارية تشهد نموا متزايدا مع الحراك الاقتصادي الحالي.
وتوضح هناء الزهير رأي صندوق الأمير سلطان لتنمية المرأة في جانب المشاركة المستترة أو الشريك النائم الذي توصم به الثروات النسائية السعودية، التي تدور في فلك استثمارات عائلية يديرها الرجل أو تجمد في استثمارات عقارية محدودة، فتقول الزهير «أصبحت مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي غير محدودة، وهذا الأمر يعتمد على المرأة ذاتها، فتنمية المهارات الذاتية والدخول في مجالات الاستثمار الحديث، مع توافر بيئة خصبة، سيخلق واقعا حقيقيا وفعليا، لأن الأداء الاقتصادي بصورة فعالة ينم عنه سلوكيات اقتصادية وثقافة عمل جديدة».
كما ترى أن المشاركة الحقيقية هي عبارة عن تقديم أفضل صور العمل التجاري، مع تمكين المرأة من الاستمرار في المنافسة في سوق العمل، فلا توجد مشاركة مستترة، ربما كانت في فترة من الفترات الماضية المشاركة محدودة، لكن الآن الفرص لا محدودة، وبالإمكان تخطي العقبات، والأهم معرفة الإجراءات والتسلح بالثقافة القانونية التي تجعل للمرأة قدرة على معرفة ما يدور حولها في سوق العمل وما يصدر من قرارات.
وتلخص الزهير رؤية صندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لتنمية المرأة، وهو الأول من نوعه على مستوى السعودية، بأن رؤيته تنبثق من أهمية تنمية المرأة، ومنها تبدأ الانطلاقة الفعلية للمشاركة، فالتنمية أساس العمل التجاري، ومن دونها لا يمكن تحقيق التطلعات، لتعزيز دور المرأة وإيجاد منظومة متكاملة من الدعم المعرفي والاجتماعي والاقتصادي.