منذ أكثر من عقدٍ من الزمن اتبع تنظيم “القاعدة” استراتيجية ذكية لتوسيع نفوذه كوكيل للجهاد العالمي، إذ تحالفت قيادته مع مختلف الجماعات الإسلامية المتشددة التي تشاطره نفس المنهج.
إلا أن العلاقة الطيبة التي عاشها التنظيم مع الجماعات الجهادية خلال فترة مؤسسه الراحل أسامة بن لادن تبدو في طريقها إلى النهاية تحت إمرة خليفته أيمن الظواهري، سيما بعدما أعلن الأخير براءته من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف بـ “داعش”.
مجلة “فورين بوليسي” الأميركية نقلت بياناً للـ “القاعدة” تؤكد فيه أن التنظيم “لم يُخطر بإنشاء الدولة الإسلامية في العراق والشام ولم يستأمر فيها ولم يُستشر، ولم يرضها، بل أمر بوقف العمل بها”، وتابع أنها “ليست فرعاً من جماعة قاعدة الجهاد، ولا تربطها بها علاقة تنظيمية، وليست الجماعة مسؤولة عن تصرفاتها”.
كما أكد التنظيم حرصه على “تخليص العمل الجهادي من المخالفات والتصرفات المضرة والبراءة من أي تصرف ينشأ عنه ظلم ينال مجاهداً، أو مسلماً، أو غير مسلم” ، معتبراً أن “الحرص على حشد الأمة حول القضايا الرئيسية هو منهج زعيم التنظيم الراحل أسامة بن لادن”.
المجلة الأميركية رأت في بيان “القاعدة” تحدياً وجودياً لـ “داعش” التي نشأت في العراق تحت اسم “القاعدة في العراق” إبان الاحتلال الأميركي ونفذت العديد من الهجمات الدامية، قبل أن تغيّر اسمها بعد مقتل قائدها أبو مصعب الزرقاوي في العام 2006 إلى “الدولة الإسلامية في العراق”. وفي العام 2012، دخل التنظيم المتشدد على خط الصراع القائم في سوريا، فغيّر اسمه إلى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. حيث يكمن الخلاف الجوهري بين “القاعدة” و”داعش” في إصرار الأخيرة على محاربة باقي الفصائل الإسلامية في سوريا والاستيلاء على مواردهم ومناطق نفوذهم، بينما يرى الظواهري ضرورة توحيد الجهود في قتال رئيس النظام السوري بشار الأسد.
زعيم تنظيم “القاعدة” سبق أن دعا قائد “داعش” أبو بكر البغدادي للامتثال لأوامر قائد “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني، إلا أن البغدادي فضّل “الامتثال إلى أمر الله بدلاً من أمر الظواهري”، فدخلت قواته في مواجهة عسكرية مع “جبهة النصرة” التي تدين بالولاء والبيعة لتنظيم “القاعدة”.
عضو مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات دافيد غارتينستين-روس اعتبر في حديثٍ مع “فورين بوليسي” أن الخلاف بين التنظيمين “نشب منذ تولي الظواهري قيادة (القاعدة)، فتصرفات (داعش) الأخيرة توضح بما لا يدع مجالاً للشك مدى الخلاف العميق بين قيادتها وقيادة التنظيم الأم”.
أما خبير معهد بروكينغز ويل ماكانتس، فاعتبر أن وحشية “داعش” ومنهجها المتطرف على الساحة السورية دفع الظواهري “إلى التخلي عن البغدادي الذي عصى أوامره علناً، بل واتخذت أعماله منحى وحشياً لا يرضى به زعيم تنظيم (القاعدة) الذي اختار أن يغسل يديه من البشاعات التي ترتكبها أكثر الفصائل الجهادية تطرفاً في سوريا”.
“فورين بوليسي” وجدت في قرار الظواهري قطع علاقاته بـ “داعش” تحدياً كبيراً لتنظيم “القاعدة” الذي تخلى عن أكثر أذرعه نشاطاً، متوقعةً أن يقدم تنظيم البغدادي على سحب البساط من تحت أرجل الظواهري الذي أضعفت الضربات الأميركية الأخيرة تنظيمه إلى حدٍ كبير.
غارتينستين-روس توقع أن تنافس “داعش” تنظيم “القاعدة” على “مصادر التمويل حال مواصلة نجاحاتها بمعزلٍ عن التنظيم الأم، خاصةً أن بعض المنتديات الجهادية اختارت الوقوف إلى جانب البغدادي ضدّ (جبهة النصرة) التي تعدّ فرعاً لـ (القاعدة) في سوريا”.
المجلة الأميركية ختمت موضوعها بالتأكيد على أن تنظيم “القاعدة” تمكن من تجاوز مقتل زعيمه الراحل أسامة بن لادن وبدأ في التوسع من جديد، محذرةً من تعاظم قوة الفروع الجديدة بما يسمح لها الاستقلال عن التنظيم الأم كما فعلت “داعش”.