أزمة الخليج وتناقض خطاب قطر

26a-na-68793حبيب الصايغ:” فيما تنتظر شعوب منطقة الخليج مرحلة هادئة من التأمل والمراجعة، لتلتقط أنفاسها، بعد زمن طويل نسبياً من الشد والجذب والخلافات المترتبة على تصرفات دولة قطر، تذهب الدولة الشقيقة إلى النقيض، نحو تصعيد لا يستقيم وتطلعات شعوب الخليج، ولا يستوي وتوقيع قطر نفسها إلى جانب دول “التعاون” على آلية تنفيذ اتفاق الرياض، ما يتضح معه التناقض في خطاب قطر، حيث الحديث الدبلوماسي الإيجابي حول طاولات الاجتماعات الرسمية، وفي الوقت نفسه، نرى كما يرى الجميع تصعيداً مبالغاً فيه ومن دون مبرر من خلال وسائل الإعلام القطرية، أو كتّاب ومغردين وشعراء محسوبين على حكومة قطر .

لا بد، في هذا السياق، من توجيه طلب ملح وقوي إلى الأصوات العاقلة في الدوحة، فبهذا الأسلوب المخل لا يمكن أن تطوى صفحات هذا الملف الشائك . إن المرء يحار فعلاً في جدية أو رغبة قطر الحقيقية لطي صفحة الماضي، فالإشارات التي تأتي منها متناقضة، بين خطاب يسعى إلى تجاوز أزمة السفراء، كما يرى المحللون، وآخر ينسف ذلك السعي تماماً، والمتابع لمجريات الأحداث في خلال الأسابيع الماضية التالية لتوقيع الآلية يلاحظ أن أدوات الإعلام القطري، بما تشتمل عليه من صحفيين وحتى رؤساء تحرير، ومغردين، وكتّاب، وشعراء، لم تتوقف أبداً عن تناول دولة الإمارات وقيادتها ورموزها.

لقد بلغ الأمر ذروته المستغربة التي لا تُحتمل ولا يمكن أن تمر بسهولة مع قصيدة المدعو خليل الشبرمي، وهو شاعر قطري معروف، ولا يعقل أن قصيدته كتبت ونشرت من دون ضوء أخضر وعلى أعلى مستوى .

القصيدة التي أسهمت كثيراً في تكريس “الشرخ” الذي أوجدته الدوحة، وأججت لمناخ الفتنة تتكلم على الإمارات تاريخاً ورموزاً وحاضراً وتنمية وتوجهاً، ويبدو من قراءتها أن كاتبها مغتاظ جداً إلى درجة التعب واللوعة والحسد، من الأنموذج المتقدم الذي استطاعت الإمارات تقديمه إلى العالم بكل كفاءة واقتدار .

قصيدة الشبرمي هي بالضبط قصيدة هجاء تتخلى عن الفن، وتتمسك بالألفاظ الساقطة، والتراكيب الهابطة، والقبلية البغيضة . وازدراء المذاهب والأديان، والتمييز العنصري ضد المرأة، والموقف المتخلف من التسامح والاعتدال والانفتاح . القصيدة كذلك وأكثر، لكنها تتجاوز كل القيم والأعراف والأخلاق حين تحاول التطاول على القائد الرمز، مؤسس وباني دولة الإمارات، ورائد التضامن العربي، وأول من أطلق مشروع مجلس التعاون، زايد الخير، طيّب الله ثراه .

إلى ذلك تتحدث قصيدة الشبرمي عن الإمارات وشعبها الكريم، وكل ذلك في إطار من السلبية الطاغية، بما لا يمكن أن يتسق مع مرحلة التهدئة والتقاط الأنفاس التي تحاولها الإمارات والسعودية والبحرين ودول مجلس التعاون إجمالاً .

كان شعب الإمارات ينتظر من قطر الاعتذار عن هذه الإساءة البالغة، الأمر الذي لم يحدث أبداً، والذي حدث هو عكس ذلك، المزيد من “تلميع” الشاعر، الذي تكرمت عليه الإمارات في يوم من الأيام بمنحه بيرق الدورة الثانية من مسابقة “شاعر المليون” .

رأي المشككين في صدقية رغبة النظام في قطر طي صفحة الماضي أصبح هو الغالب والأغلب، خصوصاً حين تعمد قطر إلى تصعيد خطابها المتناقض ضد الإمارات عبر إعلامها غير المباشر، وفي الأصح، بل المباشر، والقصد ينصرف إلى قناة “الجزيرة” التي دخلت في الورطة والفضيحة من أوسع الأبواب، وآخر مظاهر ذلك التقرير الذي بثته وتناولت فيه ما أسمته “سواحل عمان”، في صورة دلت على عدم معرفتها بالعلاقات التاريخية الأخوية بين دولة الإمارات وسلطنة عمان الشقيقة، فهل يعقل أن يكتب التقرير أو يبث من دون ضوء أخضر؟

لقد حاولت دولة قطر في الآونة الأخيرة بيان ما يحدث الآن وكأنه تخاصم مع دولة الإمارات وحدها، مع إيحاء إمكان مهادنة السعودية وربما البحرين، ناسية أو متناسية أن ما يضر الإمارات يضر بالتأكيد كلاً من السعودية والبحرين، وأن الأزمة التي تسببت فيها الدوحة أزمة واحدة لا تتجزأ، وأن حلها، بالضرورة، واحد، ولا يمكن أن يتجزأ .

المسألة أولاً وأخيراً متصلة بأن المنطقة، والأولوية هي لإعادة ترميم العلاقات من باب ونافذة الأمن، والشعور بأن الخليج الجماعي، في أفق مطالبة الدوحة بموقف واضح يسعى إلى وأد الفتنة وطي الصفحة، والكف عن إرسال إشارات متناقضة على رأسها قصيدة لن تخلق ثقة ولن تطوي صفحة، مع العلم بأن شاعراً قطرياً آخر حكمت عليه محكمة قطرية بالحبس 15 سنة بسبب قصيدة وغضت أبواق قطر وعلى رأسها “الجزيرة” الطرف عن ذلك .

ولقد تأكد، إزاء أزمة السفراء، أن عودة السفراء غير واردة الآن، فالمنتظر من قطر التنفيذ الحرفي لآلية تنفيذ الاتفاق، وقد تعهدت قطر، ووقعت على ذلك، إبعاد جميع قيادات وكوادر “الإخوان المسلمين” من الدوحة، فيما تعهدت إسكات القرضاوي وعدم نقل خطبه عبر الإعلام الرسمي مع إبقائه في قطر لأنه قطري الجنسية .

قطر بحاجة إلى التطبيق الفوري لبنود اتفاق الرياض، لأن ذلك يعيد الأمن والاستقرار إلى منطقتنا وسط كل العواصف المحيطة من كل صوب، إنها دعوة صادقة إلى عقلاء الدولة الشقيقة التي نحب كوطن ونعز كشعب .

صحيفة الخليج

زر الذهاب إلى الأعلى