لا يوجد تأمين صحي في العالم يرفض دفع فاتورة تكاليف ولادة امرأة بحجة أنها ولدت قبل انتهاء سنة من الولادة السابقة، ولا يوجد تأمين صحي يرفض الموافقة على جراحات ضرورية إذا كانت في منطقة الأسنان مثلاً بحجة أنها تجميلية، ولا يوجد تأمين صحي يرفض الفحوص والأشعة ولا يفرق بين الضروري والمهم، وما هو عادي يمكن تأجيله!
لا يوجد ذلك إلا في التأمين الصحي لموظفي حكومة دبي، في حين توجد مواصفات راقية جداً للتأمين الصحي تراعي احتياجات المؤمّن عليهم، بل وتتجاوز الاحتياجات الضرورية إلى الرفاهية والكماليات في كثير من الشركات شبه الحكومية والخاصة، وكثير من المؤسسات في دبي أيضاً، وهذا كله يعتمد على جدول المنافع الذي تقره الجهة المسؤولة عن اعتماد هذا الجدول لشركات التأمين، فتقتصد على موظفيها كما فعلت شركة «عناية» في دبي، أو تسهل عليهم وتمنحهم أكثر من حقوقهم كما تفعل بعض المؤسسات والشركات الأخرى!
الحالات التي يتم رفضها في التأمين الصحي لموظفي حكومة دبي غريبة جداً، وتحتاج إلى وقفة حقيقية من الحكومة لمعرفة السبب، فالخدمات الصحية المقدمة للموظفين بشكل عام وفق جدول المنافع الحالي ضعيفة جداً وغير مقبولة أبداً، ولا يوجد سبب منطقي لقبول هذا الضعف!
المعلومة الصادمة بالنسبة لي، وستكون أيضاً كذلك بالنسبة لموظفي الحكومة أن الشركة الحالية هي شركة إدارة منافع خدمات التأمين الصحي، وهي في بداية الأمر ونهايته تنفذ التعليمات والشروط التأمينية التي اعتمدتها الجهة الحكومية التي وقعت العقد معها، ما يثير أكثر من علامة استفهام واستغراب عن كيفية الموافقة على هذه الشروط والتعليمات، ولماذا لم يوضع الموظف في قائمة الأولويات، ويُعطى خدمات تأمينية أفضل من ذلك؟!
حكومة دبي تدفع بشكل كامل الفواتير العلاجية لموظفيها، وهي لن تبخل يوماً على موظفيها الذين يبذلون جهوداً حثيثة كلٌ في مجاله، والخدمات الصحية الضعيفة والمحددة التي وضعت في جدول المنافع الصحية، الذي تم اعتماده، لا تتناسب أبداً مع حجم العمل الذي يؤديه الموظفون، واعتماده بالطريقة الحالية يثير الدهشة والاستغراب، فالتعامل الحالي مع المؤمّن عليهم لا يليق، والتأخر في الحصول على الموافقة سمة بارزة، وكثرة عمليات الرفض للعلاجات سمة أخرى، فإذا كانت الأموال أموال الحكومة، وهي مخصصة لعلاج موظفيها، فما السبب الجوهري الذي يجعل الجهة الحكومية المشرفة على التأمين الصحي تتشدد في تقديم الخدمة العلاجية، وتقلل منها قدر الإمكان، وتسعى إلى عدم حصول الموظفين عليها بالشكل المناسب الذي ترضى عنه الحكومة أولاً، ويرضى عنه الموظفون؟!
ما يحدث غير منطقي وغير مقبول، والإجراءات المتبعة حالياً معقدة ومتخلفة مقارنة بالخدمات المتطورة كافة التي تقدمها حكومة دبي، والبيروقراطية والروتين وطريقة التعامل السيئة سمات يتسم بها جدول المنافع المخصص للخدمات الصحية للموظفين، وهذا كله خلاف لما تسعى إليه دبي التي نجحت في قتل هذه السمات وإبادتها من مختلف الدوائر المحلية!
فضلاً عن نسبة التحمّل العالية جداً التي يدفعها المؤمن عليهم، والتي تصل إلى 20% في حين أن بقية الشركات تستقطع 5% تقريباً، ولا حجة أبداً لدى الجهة المختصة في ما يتعلق برفع النسبة لتلافي التلاعب، فلا يعقل أبداً أن تتساوى نسبة التحمّل بين المريض (الخارجي) الذي حصل على العلاج ورجع إلى منزله، وبين المريض (الداخلي) الذي اضطره المرض إلى البقاء والمبيت في المستشفى، ولا أعتقد أبداً أن هناك من يرغب في التلاعب كي يبقى في مستشفى، إن لم يكن لدى الأطباء سبب مقنع لإبقائه!
من اضطره المرض إلى إجراء عملية جراحية واضطر إلى البقاء في إثرها أكثر من ثلاثة أيام في أي مستشفى خاص بدبي، إن كان من صغار الموظفين، فهذا يعني وصول نسبة التحمّل التي سيدفعها عند خروجه إلى مبلغ يعادل ربما نصف راتبه الشهري، وهذا أمر يصعب استمراره، ولابد من إعادة النظر في هذه النسبة المرتفعة جداً!
غريب أيضاً أن فئة كبار المديرين التنفيذيين لا يدفعون نسبة التحمّل، وهو أمر معكوس، فصغار الموظفين هم الأولى بالإعفاء من هذه النسبة، نظراً إلى محدودية رواتبهم، في حين يفترض أن يطالب كبار المديرين الذين لا تشكل عليهم هذه النسبة أي ضغط في الميزانية بالدفع، ليس ذلك حسداً بقدر ما هو المنطق، والمنطق يقول إن نسبة التحمّل يجب أن تكون مربوطة بالراتب وقدرة الموظف على الدفع، ومع ذلك فالمنطق حالياً معكوس، والمتضرر هنا جميع موظفي حكومة دبي، ما عدا الـ«في آي بي»!
أعود وأطالب اليوم بما طالبت به أمس، بضرورة إعادة النظر في خدمات التأمين الصحي لموظفي حكومة دبي، فأوضاعها لا تسر أحداً، ونسبة سخط الموظفين عليها عالية جداً، وموظفو حكومة دبي يستحقون الأفضل.