بعث صديق لي برسالة وردته من أخيه الذي ذهب إلى الولايات المتحدة في زيارة عمل، كانت الرسالة تحمل قدراً كبيراً من الانبهار الذي غمر الزائر، لا بما شاهده هناك أو بمستوى الخدمات التي حظي بها، وإنما بأسعار الاتصالات في أميركا، فقد اشترك بباقة مع أول مزود للخدمة صادفه، وحملت الباقة، التي كانت بثمانين دولاراً، حوالي 300 درهم تقريباً، استخداماً غير محدود للبيانات أو «الداتا»، بينما يتقاضى موفرا الخدمة لدينا – سواء «اتصالات» أو «دو» – مبلغاً يتراوح ما بين250- 500 درهم، مقابل بيانات بحجم 2 أو 4 جيجا، وعندما تنفد، وهي تنفد بسرعة، تفرض الشركتان أسعاراً مبالغ فيها على كل جيجا إضافية لبيانات عبر الإنترنت.
كما تضمنت باقة الثمانين دولاراً لصاحبنا إجراء مكالمات غير محددة بأي مبلغ أو فترة زمنية، داخل كامل أراضي الولايات المتحدة التي تزيد مساحتها على مساحة كل الوطن العربي (12.5 مليون كيلومتر مربع)، بينما تحسب شركتا الخدمة عندنا مكالمات محلية داخل الدولة.
وأخيراً يقول صاحب الرسالة منبهراً: «إن باقة (الثمانين دولاراً) تشمل تبادل عدد غير محدود من الرسائل النصية»، وانتهت رسالته، لتنتقل حالة الانبهار بتلك الأسعار بدورها إلينا. وهي ليست مقتصرة على تلك البلاد الشاسعة، ففي العديد من البلدان الأوروبية تلمس تدني الأسعار بصورة لا تقارن بما هو لدينا.
ولا يكاد يمر يوم علينا ولا تتلقى فيه وسيلة من وسائل الإعلام في الدولة بمختلف أنواعها، وبالذات برامج البث المباشر، رسائل وشكاوى من ارتفاع أسعار فواتير الاتصالات لدينا، بطريقة غير مبررة، وتذكر فيها مقارنة بينها وبين أسعار دول غير بعيدة عنا، وتشارك مؤسساتنا الوطنية بتوفير خدمات الاتصالات فيها. ولا نجد تبريراً أو تفسيراً لهذه التباينات الهائلة في الأسعار والعروض المغرية سوى أن الفرق في ذلك ناجم عن حجم السوق هنا وهناك، وشدة المنافسة!!. وكأنه كُتب علينا أن نبلع مثل هذه المبررات غير المقنعة للجمهور المرغم على سداد الفواتير لعدم وجود بدائل أخرى أمامه.
لقد أصبحت «الاتصالات» اليوم من ضروريات الحياة العصرية لأفراد المجتمع كافة، وذلك ليس من باب الكماليات والترف، وإنما للبقاء على اتصال مع بقية العالم المحيط بالفرد منا. كما أن الدولة تعمل على محاور عدة باتجاه الوصول إلى اقتصاد المعرفة، وفي الوقت ذاته تتقدم أشواطاً متسارعة نحو الحكومة الذكية، وتبعاً لذلك تتوسع في مجال التطبيقات والحلول الإلكترونية، اعتماداً على التواصل عبر الهواتف النقالة الذكية. الأمر الذي يستوجب معه أن يكون موفرا الخدمة على هذا القدر من الطموح والتطلعات، بتيسير حصول الجمهور على اتصال سريع وسهل وذي كفاءة بالشبكة العنكبوتية، وبأسعار في متناول الجميع. كما نرى في العديد من دول العالم، حيث تجد الأماكن العامة ووسائل النقل، وغيرها من المرافق، مزودة بخدمات «واي فاي» مجانية، تتيح للجميع التواصل أينما كانوا، ومتابعة أعمالهم حيثما كانت، في الاتجاهات الأربعة للكرة الأرضية.
أما وقد غدت «الاتصالات» في ذات أهمية الهواء والماء كضرورة لتسيير الأعمال والمصالح، ناهيك عن جعل الحياة أكثر راحة ويسراً، فهل يدرك موفرا خدماتها هذه الحقيقة وأهمية مواكبتها، بدلاً من التخندق خلف شعارهم المفضل «ادفع بالتي هي أحسن».