حبيب الصايغ – الخليج: تتجه الأنظار إلى اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد غد السبت الذي يوافق الثلاثين من أغسطس/آب الجاري، ويأتي هذا الاجتماع ليتابع أعمال ونتائج الاجتماع السابق الذي تم عقده يوم الأربعاء الثالث عشر من هذا الشهر، الذي التزمت فيه قطر بمجموعة من الالتزامات في محاولة للخروج من مأزق سياساتها الخارجية، كما يأتي الاجتماع بعد رفض رئيس الوفد القطري التوقيع على محضر لجنة المتابعة، حيث تضمن المحضر انتقادات سعودية وبحرينية وإماراتية تبين عدم التزام قطر بما وعدت به مراراً، وبما وقع عليه أميرها ووزير خارجيتها . فما حقيقة الوضع الحالي بين مهلة الأسبوع وانتهائها من جهة، وبين هذه الغفلة الغريبة التي تمارسها الدوحة بكل إصرار وكأن إدارة الأزمة أصبحت هوايتها المفضلة، بغض النظر عن السعي إلى تحقيق مصلحة شعبها وشعوب المنطقة؟
لماذا تتمسك الدوحة بلعب دور “المشاغب” في مرحلة عصيبة إقليمياً والأخطار على مرمى حجر؟ ولماذا تضع نفسها في هذا الإرباك، وبالتالي، هذه العزلة، ثم تخترع الأباطيل لتسويغ ذلك، غير مدركة أو متجاهلة أن ممارستها السياسية ليست إلا نوعاً بغيضاً من الانتحار السياسي؟
اليوم، بين مهلة 13 أغسطس الساخن واجتماع 30 أغسطس، يرى المراقبون أن الدوحة عولت على قدرتها على المناورة السياسية من دون أن تلتزم جوهرياً بالتنفيذ، وبرغم العديد من الجهود المبذولة في الدولة الشقيقة، التي تصدر مشهدها الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء، فإن المناورات السياسية تسيدت المشهد القطري لجهة العلاقة مع الجيران لكنها، بسبب من طبيعتها، وطبيعة الظروف المحيطة، لم ولا يمكن أن تسد فراغ الالتزام الفعلي، وها هو ملف التجنيس السياسي للبحرينيين في قطر يحرج الدوحة التي اجتهدت وتجتهد لتكون جبهتها الوحيدة دولة الإمارات العربية المتحدة، وها هي الحيرة ما زالت ماثلة لدى جميع المتابعين فضلاً عن شعوب المنطقة، والشعب القطري الشقيق ليس استثناء، إزاء تناقض الموقف، أو في الأصح، المواقف القطرية .
فمن جهة تدرك الدوحة أهمية رأب الصدع في علاقاتها الخليجية خصوصاً مع المملكة العربية السعودية، لكنها من جهة أخرى مستمرة في احتضانها ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وفي استبدال وسائلها الإعلامية التي انكشفت بأخرى جديدة، ضمن محاولة مستميتة لكن يائسة وبائسة للتعمية والتمويه، ويشتمل ذلك، للأسف، على محاولة حجب الحقائق والمعلومات والأخبار الخاصة بقطر والتي يعرفها العالم من أقصاه إلى أقصاه عن أفراد الشعب القطري، عبر تجاهلها في صحافته ووسائل إعلامه، فكيف تتناول الصحافة القطرية مثلاً مواقف دول مثل الإمارات والسعودية والبحرين؟ كيف تتناول الملفات العالقة المرتبطة باتفاق الرياض وآلية تنفيذه، وكيف تعاملت مع خبر مهلة الأسبوع؟ كل ذلك والشعب القطري الذي يعيش في صميم عصر الإعلام الإلكتروني المفتوح، وهو المتعلم نظامياً والحكيم بالفطرة، قادر بالتأكيد على الفرز والتمييز والاختيار، نحو تكوين معرفة، وبالتالي، رأي مستقل خاص به .
يرى بعض المراقبين، إلى ذلك، أن هناك مشاكل عدة في دوائر صنع القرار في الدوحة، منها الازدواجية في الصلاحيات بين القيادتين السابقة واللاحقة، بالإضافة إلى الدور الثانوي لوزارة الخارجية، ما حدا بالبعض إلى المطالبة بأن يكون هنالك دور لوزير الخارجية السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر للإسهام في حل المشكلة التي تراكمت من فرط الإهمال حتى تعقدت من فرط الغفلة .
ونحن نتجه إلى اجتماع وزراء الخارجية يوم السبت المقبل فإننا لا نرى بوادر مشجعة، للأسف، للخروج من عنق الزجاجة . هذا هو لسان دول البيان المشترك الإمارات والسعودية والبحرين، وهو لسان كل منصف في كل مكان . لن يتغير هذا الحال إلا مع إدراك الدوحة أن المطلوب منها ليس المزيد من المناورات التي باتت مكشوفة، بل تغير منهجي يضمن استقرار أشقائها والمنطقة، ويتطلب من جهتها فك ارتباط جذرياً مع تيار الإخوان المسلمين وما في حكمه .
إن من المقلق تحرك الإعلام القطري ووسائل التواصل الاجتماعي المحسوبة على الدوحة بعد رفض قطر التوقيع على محضر اللجنة المكلفة متابعة تنفيذ اتفاق الرياض، حيث عبّر إعلام قطر بأقذع الألفاظ والمضامين عن “خيبة أمل الدوحة”، وبعبارات لم تستثن المملكة العربية السعودية ووزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل، ومعلوم أن حل الأزمة لا يُؤتى بهذه الطريقة، وإنما من خلال جهد دبلوماسي صادق، تصفو فيه النيات وتتحقق عبره الوعود .
السؤال المطروح قبل سيناريو الملل القطري وبعده: ما الذي يتوقع حصوله في “الوزاري الخليجي” يوم السبت؟
المتوقع أن ينظر الاجتماع في تقرير اللجنة الذي رفضت قطر التوقيع عليه، والمتوقع مقابل ذلك أن يحاول الوزير القطري الدفاع عن عملية رفض التوقيع بشن هجوم، كما جرت العادة، على تغريدات إماراتية ومغردين إماراتيين، ناسياً أو متناسياً، كما جرت العادة أيضاً، أن الاستفزاز يأتي أولاً من الجانب القطري الذي يخرق كل التقاليد السياسية وكذلك المنظومة الأخلاقية والقيمية التي “تربى” عليها أهل الخليج وتوارثوها أباً عن جد، وسوف نذهب فقط إلى هذا الشاهد الصاعق، تغريدة واحدة من المدعو عبدالله العذبة، وهو بالمناسبة مدير تحرير صحيفة قطرية، وفيها يقارن بكل جرأة وانحطاط بين حائط المبكى عند اليهود في القدس المحتل والضريح الطاهر عند أهل الإمارات . نعم إلى هذا الحد وصل مستوى مغرديكم يا سعادة الوزير، فكيف لا تتوقعون ردود فعل غاضبة ومناسبة من شعب الإمارات وقد تطاول مغردكم المشمول برعايتكم على شعبنا عبر محاولة التطاول على رمز من رموزه وحكيم العرب؟
لكن المسألة من بعد ليست مسألة تغريدات . إنها تتجاوز التغريدات إلى أمن واستقرار المنطقة يا سعادة الوزير .
في الاجتماع المقبل احتمالات مفتوحة قد يكون من بينها تمديد المهلة، وفترة تنفيذ الاتفاق لكن بأدلة تتجاوز الوعود المعسولة، وقد يرفع الأمر إلى القمة الخليجية المقبلة التي من الصعب إن لم يكن من المستحيل انعقادها في الدوحة مالم تحقق الأخيرة شيئاً ملموساً على الأرض، أما غير ذلك فليس إلا مجرد تكهنات، بما فيه كلام بعض الصحافة العربية عن عرض قطري ب”تقسيط أو جدولة تنفيذ الاتفاق”، أو عن وساطة عمانية تدخل على الخط إلى جانب الوساطة الكويتية، والحق أنه لا وساطة عمانية ولا حتى كويتية . الوساطة بين الدول حتى الشقيقة إنما تكون في المراحل الأولى، مراحل جس النبض ومحاولة تبادل الآراء المبدئية، وهذه مراحل تجاوزناها قطعاً في “أزمة الخليج”، وأصبح كل شيء واضحاً وعلى الطاولة .
الجديد الذي يجب أن يقال في هذا الجانب أن موقف سلطنة عمان الشقيقة داخل الاجتماع مختلف كثيراً عما هو متصور أو يحاول الإعلام تصويره، فالسلطنة تنتقد تأخر الدوحة في تنفيذ التزاماتها، انطلاقاً من أن الدوحة أعطيت الفرصة تلو الفرصة من دون تحقيق أية خطوة ملموسة .
موقف الكويت بهذا الصدد يبدو مستغرباً لأنه على الحياد، ما يشكل سابقة في مخالفة المملكة العربية السعودية التي تتفق الكويت معها في السياسات مطلقاً . من جهة ثانية، فإن الكويت باتت اليوم تعرف مثل غيرها وأكثر خطر “الإخوان المسلمين” فهي تعاني داخلياً وجودهم وتأثيرهم .
السؤال الأخير: هل يتخذ اجتماع السبت خطوات تصعيدية ضد قطر؟ التصعيد غير وارد خلال اجتماع يُعقد تحت مظلة مجلس التعاون، وهو متروك لإرادة الدول المتضررة، خارج مظلة “التعاون”، في أي وقت .