رغم أن قصة المبتعث السعودي في أستراليا، مشعل البلوي، الذي تواترت أخبار تؤكد انضمامه لداعش، لم تنته فضولها بعد. إلا أن الأبصار والقلوب اتجهت بشكل تلقائي نحو المبتعثين السعوديين، الذين يعول عليهم كثيرا. فهل هم في مأمن من هذا الاستهداف؟ وهل هناك فرق بين استهدافهم والتجنيد المتزايد لما بات يعرف بالجهاديين الأجانب (الغربيين) في تلك البلاد؟ أم أن هذه القصة تؤكد أن التجنيد مشكلة عالمية، وأنه لم يعد هناك فرق في ظل شبكات تواصل بإمكانها إلغاء كل الحدود الجغرافية والثقافية؟
استهداف المبتعثين
لا تزال قصة اختفاء المبتعث السعودي في أستراليا “مشعل عائش البلوي”، تنتظر الكثير من الأجوبة. وفي حين تزايدت الترجيحات من قبل بعض أفراد عائلته حيال التحاقه بتنظيم الدولة (داعش). يؤكد والده عائش البلوي ثقته بعودة ابنه، مستبعداً أن يكون ابنه من أصحاب الفكر الضال، والمتعاونين مع الإرهاب وتنظيماته المختلفة، وربما تم التغرير به من أحد المنتمين لهذه التنظيمات بحسب صحيفة الاقتصادية السعودية.
قصة مشعل، قصة “رمزية” طالعنا بعضا من تفاصيلها، في قصص مشابهة أخيرا، إلا أن الجدير بالبحث، إذا ما صحت أخبار التحاقه بالتنظيم، ستكون الجزئية المتعلقة بكونه طالباً مبتعثاً. وهنا تتبادر للذهن أسئلة لا تتعلق فقط بالبرامج المعدة محلياً من قبل الملحقيات الثقافية في السفارات السعودية. ولكن أيضاً بمؤثرات دولية أبعد وأشد تأثيراً، خصوصاً إذا ما علمنا أن الشكوى من عمليات الاستقطاب والتجنيد إلكترونياَ وواقعياَ لم تعد أمراَ محلياَ بل تعدت ذلك لتشغل بال كثير من الدول الغربية، وعلى رأسها، أستراليا، التي خرج منها المبتعث السعودي.
اليوم، ومع علمنا بالعدد الكبير للمبتعثين السعوديين، هل سنكتفي بالإجراءات المحلية المتبعة عادة لمعالجة مثل هذه الأمور؟ أم سنعمل على التنسيق بين الملحقيات الثقافية السعودية والجهات الأمنية والثقافية المعنية بمثل هذه القضايا، في كل بلد على حدة. والحديث هنا عن ترتيبات استباقية، قد تتضمنها برامج فكرية وثقافية، وليس عن ردود أفعال وإجراءات أمنية اعتيادية في مثل هذه الحالات، اعتدنا أن تقوم بها الجهات المعنية أمنيا على أكمل وجه.
أربع جنسيات
الإرهاب أو “الجهاد العالمي” كما تسميه اليوم كثير من الجهات الدولية، لم يعد مشكلة محلية تخص مذهب أو دين أو دولة بعينها. بل امتد لتتشابك مسبباته بالقدر ذاته الذي تمددت فيه وتشعبت قدراته التمويلية. سواء كان هذا التمويل على مستوى توفير الأفراد (الجهاديين)، وهو الأهم، أم كان ذلك على مستوى تحصيل الأموال والتسهيلات الذي لم يُستثن منه، بحسب كثير من التقارير المتداولة اليوم، لا أفراد ولا جماعات ولا حتى دول.
وكان الباحثان “فيرا ميرونوفا” و”سام ويت” قد توصلا في تقرير، بعنوان “رؤية عن عقول أربعة مقاتلين أجانب في سورية” المنشور على الموقع الإلكتروني لمركز مكافحة الإرهاب في يونيو 2014؛ إلى نتيجة مفادها أن هناك تقاربا في الرؤية، برغم تفاوت الثقافات والبلدان، أمكن استخلاصها من مقابلات مع مقاتلين من أربع جنسيات مختلفة (من السعودية والجزائر وفرنسا وروسيا). وتنتهى هذه الرؤية إلى أن دوافع المجاهدين للقتال في سورية ترتبط في أساسها بجذور عقائدية متشابهة، إذ يعتبر الجهاديون أن القتال هناك فرصة ملائمة لاختبار إيمانهم.
وهذا المعيار يستند إليه بعض المقاتلين للتمييز بينهم وبين بعض التنظيمات الأخرى في سورية (مثل الجيش السوري الحر) التي، برأيهم، لا تعمل تحت مظلة شرعية “إسلامية”. وهذا ما يفسر قدرة تنظيمات، مثل النصرة وداعش، على التوسع في الوقت ذاته الذي تستهدف فيه الجيش الحر وغيره من الثوار رغم عدالة قضيتهم.
ولا يقف الجهاديون الأربعة، بحسب الدراسة نفسها، عند هذا الدافع، بل يتجاوزونه إلى دوافع أخرى مشتركة، تتضمن إثارة الفكرة السائدة عن الغرب لدى العديد من المقاتلين، التي تعتبر الحضارة الغربية حضارة عنصرية تضطهد المسلمين، ولا تريد لهم الخير، فضلا عن دعم بعض الدول الغربية لنظام بشار الأسد. ويتفاقم الأمر، بشكل أكبر وأخطر مع من يجدون في هذه الأجواء المشحونة فرصة للتدخل تحت ذرائع “مذهبية”. وهو ما أثاره، وفقا لتقارير أخرى، تدخل حزب الله في القتال الدائر في سورية.
خلاصة هذا التقرير وأهميته، تكمن في استقرائه لمقاتلين يعودون لخلفيات ثقافية متباينة، ومع ذلك وصلوا بالمحصلة للنتيجة ذاتها فكريا والبقعة ذاتها جغرافيا. وهو ما يشير، من جهة، على أن المبالغة في جلد الذات وتصوير توجه بعينه، وكأنه هو السبب الوحيد في كل هذا الإرهاب، تصوير مجحف، ويختزل بشكل مخل كثيرا من المسببات. ومن جهة أخرى يؤكد التقرير ضرورة التعاون المشترك بين كافة المرجعيات والثقافات حول العالم لاحتواء هذا الخطر.
“ميشال وعائشة”
هذا التنوع في الأعراق والثقافات يقابله تنوع في الأجناس والظروف المعيشية، يقول حسن شلقمي إمام مسجد في ضاحية باريسية، وهو معروف بانتقاداته للتطرف، لوكالة فرانس برس”لا يوجد فقط إبراهيم وعائشة، يوجد أيضا ميشال وجاكلين”. هذه الظاهرة تشمل كل المناطق وكل الأوساط: فمنهم الريفيون وأبناء المدن، الشباب والصبية، المسلمون والمعتنقون الجدد (21 في المائة حسب وزارة الداخيلة)، الأسر وأصحاب المهن الحرة. ويؤكد مسؤولون أمنيون وخبراء أن كثيرا من النساء اللاتي يتجهن للتشدد ينحدرن من بيوت مسلمة باعتدال. كما أن هناك بعض المتطوعات من أسر ملحدة أو كاثوليكية أو يهودية منها الغني والفقير ومنها من نشأ في المدن ومن نشأ في الريف.
المسؤولون عن التجنيد طوروا أساليبهم لدرجة استهداف المتعلمين وميسوري الحال.
وعن مدى تطور أساليب التجنيد والشرائح المستهدفة، تقول دنيا بوزار عالمة أنثروبولوجيا فرنسية مسؤولة عن وحدة فرنسية تتولى إقناع المرشحات للسفر بغرض الجهاد بعدم السفر “لم ترجع أي من الفتيات اللاتي نتتبعهن (إلى فرنسا) على قيد الحياة. المسؤولون عن التجنيد طوروا أساليبهم لدرجة أن باستطاعتهم أخذ أناس ميسوري الحال. بعضهم يتم الاتصال به على فيسبوك وآخرون من خلال الدردشة على مواقع التواصل بين الجنسين. وآخرون قابلوا صديقا أصبح مرشدا روحيا”. وتضيف أن بعض النساء “يحسبن أنهن وقعن في الحب” بعد أن يرتبطن برجال عبر الإنترنت أو بالهاتف.
رومانسية الجهاد
وفي السياق ذاته لا تختلف ألمانيا كثيرا عن فرنسا، إذ يقول هانز جورج ماسن رئيس المخابرات الداخلية الألمانية في جلسة في البرلمان “رومانسية الجهاد واضحة جدا في الدعاية وتستخدمها النساء لتجنيد أخريات”. وقال إن 10 في المئة من بين 400 شخص سافروا من ألمانيا إلى سورية من النساء. ويقدر المسؤولون الفرنسيون أن نحو 1000 شخص سافروا إلى سورية من بينهم 60 إمرأة.
أما في السويد فيقول ماجنوس رانستورب خبير الإرهاب في كلية الدفاع الوطني في السويد إن عدد الجهاديين الذين سافروا من السويد يبلغ 85 من بينهم من 15 إلى 20 إمرأة. وحول دوافع النساء تحديدا يقول رانستورب “النساء يردن أن يتزوجن شهداء. فكرة الجنة والحياة الأخرى تستحوذ عليهن وهو ما يجعل الأمر أشبه بعقيدة الموت. فالموت يهم أكثر من الحياة”. وتابع “كما أن النساء يصبحن أكثر وقارا. ثمة تسلسل هرمي داخلي. فإذا أصبحت أرملة تصبح معلمة للنساء الأصغر سنا وتصبح لها مكانة”.
يبقى، أن رصد ظروف الاستهداف والتجنيد، والأدوات المتشابهة أعلاه، تقود إلى نتائج متشابهة، استطاعت أن تجمع بين كثير من الشباب، من خلال مشتركات “نفسية”، أكثر منها ثقافية، وهو الأمر الذي يفسر جدوى كثير من “الدعاية” الداعشية، التي تعمل على جوانب نفسية وعاطفية لفئات سنية محددة، بغض النظر عن مرجعياتهم الثقافية المتباينة، كما تدعو الجهات المعنية لتفحص البرامج الموجهة للمبتعثين بحيث تنطلق من تعاون وتصور جيد لطبيعة الاستهداف والتجنيد في البلاد التي يدرسون فيها.