أسرار بين داعش وإسرائيل بلسان “فريدمان”

سامر باطر-أرابيان بيزنس.. يبدو أن الدولة الدينية والاستيطان الذي يترتب عليها هي أهم عناصر الود بين إسرائيل وتنظيم داعش كما يتكشف من أحدث تحليل للكاتب الأمريكي توماس فريدمان.

أساء توماس فريدمان بطرفة عين مؤخراً، في أحدث “نظرياته”، لكل المسلمين ليستخف بقرابة ملياري مسلم، بالحديث نيابة عنهم واتهامهم بقوله “إن حلم كل مسلم سني تقريباً هو تأسيس الخلافة”، ولم يكن ذلك في سياق استكشاف ولع المسلمين وشغفهم، بل في سياق إسرائيلي واضح، إذ قال إنه ” كما هو الحال مع كل اسرائيلي حيث يشعر في كيانه بأنه مستوطن في الضفة الغربية، فإن كل مسلم سني تقريبا يحلم بعودة الخلافة الإسلامية”.

يبدل فريدمان مصادر تحليلاته التي كانت سابقاً تستقي خفايا أهم قضايا الشرق الأوسط من خلال حديثه مع أي سائق سيارة اجرة يفتح معه حوار عند توصيله في بعض العواصم العربية من المطار إلى الفندق غالباً، ليعتمد هذه المرة على الموقع الصهيوني “ميمري” الذي يتربص بأي كلمة تنفع لتشويه العرب والمسلمين في وسائل الإعلام العربية وينقلها للغرب بالإنكليزية (لعله لم يستخدم سيارة الأجرة في أحدث زياراته للمنطقة).

وعندما يسدي نصيحته لكل من يود فهم تعقيدات الشرق الأوسط يهين كل الساسة العرب بقوله إن ما يقولونه لك سراً لا يهم بل إن الأهم هو ما يقولونه لجماهيرهم بلغتهم.

وللحق فقد استشهد فريدمان برأي “خبير” لتعزيز نظرية ولع المسلمين الحديث في الخلافة، ولكن الخبير ليس سوى “الباحث الأمريكي” جوزيف بارود الذي سبق وأدين بسرقة وتهريب آثار عراقية منهوبة عند ضبطه في مطار كنيدي محاولاً تهريبها إلى الولايات المتحدة وأفلت من السجن لينال عقوبة بسيطة.

لم يقترب فريدمان من الحقيقة التي يدور حولها ولا يسعى لكشفها وهي أن الود بين إسرائيل وداعش يمتد بعيداً وله جذور تكمن في حماية الكيان من التشكيك بشرعيته كدولة دينية أي إسرائيل، فلا يوجد في العالم دولة تضع الدين هوية لمواطنيها وأساساً لوجودها سوى كيان إسرائيل، و”إسرائيل” تعتبر نفسها دولة دينية قائمة على أساس ديني بحت، دون أي سند أو شرعية في العالم لطرد السكان الأصليين، ولذلك فإن وجود كيان مماثل في الجوار أي تنظيم داعش، يثبت الأعذار التي تروج لها إسرائيل في وحشيتها مع الفلسطينيين وباقي جيرانها، وهي أنها تعيش في منطقة خطرة تعج بالأشرار وعليها أن تحارب بذات الأفكار وتلقن أعدائها دروسا شرسة تكون عبرة لغيرهم وهي حالة استثنائية في كل شيء بما فيه الدين اليهودي وأسطورة شعب الله المختار.

ومع تنظيم داعش الذي ترحب به إسرائيل بشتى السبل يصبح الحال مثاليا لها. فما تقوم به اسرائيل يتماثل مع ممارسات داعش أي استقطاب المؤمنين من أي بل في العالم (اليهود) ومن كل الجنسيات، كما هو حال داعش في استقطابها للجهاديين المزعومين وأغلبهم يعاني من مشاكل شخصية أو اقتصادية أو نفسية يجد حلا لها في الانضمام لهذا التنظيم الإرهابي الذي يسوق لنفسه بأنه يوفر له ولها الزواج والمال و”الأهداف النبيلة”.

وكما انتحل روس وسكان دول الاتحاد السوفياتي السابقة صفة اليهودية هربا من الظروف المتردية لدى انهيار الاتحاد السوفياتي، ليأتوا إلى اسرائيل على أنهم يهود، تجلب داعش كل المنبوذين والمضطهدين في الدول الغربية وكل من يعاني من أزمات نفسية واقتصادية لتقدم لهم حلا لمشاكلهم شرط أن يزعموا أنهم مسلمون أتقياء “بإصدار” داعش.

ليتم تهجير العراقيين والسوريين لاستجلاب “مؤمنين “أتقياء” من أي جنسية، ليبايعوا داعش وليستوطنوا هذين البلدين على حساب أهلهما. الإنسجام الفكري بين كيان إسرائيل وداعش ينسحب أيضا على الدول التي لا تؤيد الاعتراف بفلسطين، إذا أن أحدث خارطة توضح الدول التي تؤيد الاعتراف بفلسطين تستثني الدول التي قامت على الاستيطان وتهجير سكان البلد ألأصليين وهي استراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة الامريكية وكندا.

صحيح أن داعش قد ولدت من رحم التعذيب والتخبط الأمريكي في العراق، إلا أن تحولها الدرامي إلى لاعب يهيمن على المنطقة ويقزّم باقي الأطراف هو نتيجة مقصودة ضمن سياسة اسرائيل في مواجهة خصومها وأعدائها بتوليد أعداء لهم، كما حصل بدعم ولادة منظمة حماس لضرب حركة فتح وغيرها من السوابق المماثلة.

أثبتت الشهور الماضية أنه يمكن تبييض سجل أي شخص على الإنترنت والتحكم بمحتوى الإنترنت إن كانت هناك نية أمريكية أو إسرائيلية، فكما هو معروف إزيلت صفحات على الإنترنت تكشف أن أحد المختطفين لدى داعش يحمل الجنسية الإسرائيلية وظهر أن إسرائيل قامت بعملية “تنظيف” على الإنترنت لإزالة أي إشارة لذلك في عشرات المواقع. كذلك هو الحال مع زوجة جورج كلوني لبنانية الأصل التي تمكنت بطريقة ما من إزالة كل صفحات الإنترنت التي قد تسيء لها خلال أسابيع قبيل الإعلان عن خطوبتها.

لكن بروباغندا داعش وهي أهم عنصر في صعود نفوذها وتجنيدها الآلاف تتواصل في مواقع إنترنت بلا اعتراض أمريكي رغم توفر القدرة على إزالة كل المواقع الجهادية على الإنترنت خلال ساعات، وهناك سوابق عندما جرى إيقاف حسابات إعلامية لجهات عديدة في الشرق الأوسط سواء كانت في يوتيوب وفيسبوك وتويتر وغيرها من خدمات المواقع الأمريكية، دون أي ضجة ولمجرد أنها لا تتسق مع التوجهات الأمريكية.

المهم اليوم أن يستعد الساسة العرب لتدريب سائقي سيارات الأجرة على التعاطي في قضايا المنطقة جيدا، فقد يعاود فريدمان للاعتماد عليهم في تحليلاته التي لها وزن كبير في سياسة البيت الأبيض إزاء الشرق الاوسط، وأنا لا أمزح هنا.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى