لماذا تستخدم السعودية النفط كسلاح ؟

كشف الاجتماع الوزاري الاخير للدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك والذي عقد في فيينا عن أمر كان العالم يتوقعه منذ عدة شهور، ألا وهو أن السعودية تتعمد إجبار المنظمة على المحافظة على مستوى إنتاجها الحالي (30 مليون برميل يوميا) من أجل خفض الأسعار لأسباب سياسية.

ونتيجة لهذه السياسة، انهارت أسعار النفط بنسبة 35 بالمئة هذه السنة، إذ انخفضت عن 70 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ مايو / أيار 2010.

ولكن لماذا يغامر السعوديون بإثارة حنق دول أوبك الأخرى وإضعاف المنظمة وإضعاف قدرتهم هم في التأثير على قراراتها مستقبلا ؟

إنها لا تقل عن لعبة بوكر ستسبب للسعوديين أضرارا على الأمد البعيد، ولكن الأمد البعيد ليس ما يهمهم حاليا.
فمنذ ازمة النفط التي اندلعت عقب حرب اكتوبر عام 1973، استوعب السعوديون الدور الذي يمكنهم لعبه في السياسات الإقليمية والدولية بمجرد فتح صنابير النفط أو إغلاقها بحسب موقع شبكة بي بي سي.

ففي الفترة الأخيرة التي رفعت فيها الولايات المتحدة إنتاجها، كان من المنطقي أن يفترض المرء أن يقوم السعوديون بخفض إنتاجهم للمحافظة على الأسعار ولكن الرياض فعلت العكس بالضبط من أجل فهم مبررات ذلك، علينا أن ننظر للعالم من وجهة النظر السعودية.

فمن منظور السعودية، لا يبدو العالم مكانا مبهجا أو مطمئنا بالمرة، وللسعوديين مخاوف كثيرة يشعرون أنها مهملة ولا يجري التعامل معها بجدية من قبل حلفائهم في الغرب وشركائهم في المنطقة.

التوتر السعودي الإيراني
العديد من المحللين والخبراء يتحدثون عن اندلاع حرب باردة بين السعودية وإيران، إذ ينظر السعوديون إلى كل كسب تحققه إيران باعتباره خسارة لهم مما يجعل أجراس الإنذار تدق بالنسبة للسعودية.

فالسعوديون يرون أن الولايات المتحدة قد استسلمت لإيران وسمحت لها بأن تخرج من الزاوية التي كانت محشورة فيها.
فلم يكن من المفروض أن يسمح للإيرانيين بالاحتفاظ بأية قدرة على تخصيب اليورانيوم محليا، ناهيك عن تسليمهم مبلغ 7 مليارات دولار إضافة لذلك.

ولكن الامريكيين والاوروبيين قضوا شهوراً طويلة بالبحث عن كيفية منح الرئيس الإيراني “المعتدل” حسن روحاني بعض الفتات لارضاء المتشددين في طهران.
فروحاني بالنسبة للسعوديين ليس سوى الوجه البشوش لنظام ما زال يسعى للهيمنة على منطقة الشرق الاوسط بأسرها، نظام يحاول بقوة أن ينال رضا العالم وقبوله.
وفي حقيقة الأمر، فإن تمدد إيران في المنطقة يقلق السعوديين أكثر بكثير من برنامجها النووي.
ففي العراق، بات الإيرانيون يسيطرون على كل مفاصل الدولة، ولولا تدخل الحرس الثوري الإيراني العسكري لكان تنظيم “الدولة الاسلامية” يسيطر الآن على كل مناطق العراق غير الشيعية بالكامل.

وفي سوريا، وبفضل الضربات الجوية التي يسديها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لتنظيم “الدولة الاسلامية”، رفع الضغط عن حليف إيران نظام الرئيس بشار الاسد.

وبينما كان هناك يوما ما تصميم على إزاحة الأسد من الحكم، ثمة شائعات قوية تشير إلى أن الغرب سيضطر إلى التعامل معه لدرء الخطر الأكبر المتمثل “بالدولة الاسلامية.”

وفي الحقيقة، يبدو موقف الأسد قويا بفضل المال الإيراني ودعم حزب الله العسكري والدعم الدبلوماسي الذي يحظى به من جانب روسيا.

وزاد الطين بلة بالنسبة للسعوديين التقدم الذي أحرزه الحوثيون في اليمن واستمرار الاحتجاجات الشيعية في البحرين. خلاصة الأمر إن السعودية تشعر بأنها محاصرة من قبل ايران من كل الاتجاهات.

وسط أجواء الفوضى التي تبدو إيران مستفيدة منها، قررت السعودية ان ترد بقوة، ولأن السعودية تفضل ألا تنجر إلى مواجهة عسكرية مع إيران، فقد بدأت بالبحث عن سبل أخرى لمواجهة إيران، وكانت الطريقة الأسهل للقيام بذلك هي تقليص عوائد إيران المالية.

يعتمد اقتصاد إيران بشدة على الهيدروكربونات التي تشكل 60 في المئة من صادراته، وشكلت 25 في المئة من إجمالي الناتج القومي عام 2013.

وبسبب ارتباط إيران الشديد بالحرب في سوريا والعراق، فانها تنفق الملايين شهريا لضمان استمرار عملياتها في البلدين، في الوقت الذي تحاول فيه تهدئة الاضطرابات الداخلية.

ومن المثير للاهتمام أن الإيرانيين اقترحوا أن تقوم أوبك بخفض إنتاجها قبل مؤتمر نوفمبر إلا أن السعوديين رفضوا ذلك.
كما أن هذا يتيح للسعوديين فرصة توجيه ضربة قاسية لروسيا، الحليف القوي لبشار الاسد، بخفض أسعار النفط والتأثير بشكل سلبي على عائدات الهيدروكربونات الروسية التي تعتبر الدعامة الرئيسية لاقتصاد روسيا المتهالك.

ومع انخفاض أسعار النفط انهار سعر الروبل الروسي ليفقد 35 في المائة من قيمته منذ يوليو/تموز.
وهكذا يضرب السعوديون عصفورين بحجر واحد، وهو ما يبدو نوع من المهارة خاصة أن تطور هذا إلى تصعيد عسكري أمر بعيد الاحتمال للغاية وهو ما تفضله السعودية.

لكن إلى متى يمكن للسعوديين أن يستمروا في هذه اللعبة ؟ من الناحية الواقعية يمكنهم ذلك لبضعة أشهر. لكن إذا استمر سعر النفط في الهبوط فقد يكون على السعوديين مراجعة استراتيجيتهم.

مع ذلك، لدى السعودية احتياطي مالي قدره 741 مليار دولار، وأعلنت عن فائض مقداره 15 مليار دولار في نهاية العام المالي الماضي، كما ان بوسع السعوديين امتصاص كلفة عجز الموازنة لعدة سنوات إذا تطلب الأمر ذلك.

وبالإضافة لذلك فإن الصفقات الهائلة الأخيرة للأسلحة قد تم استكمالها، ومن المتوقع أن تنخفض نفقاتها العسكرية خلال العامين أو الأعوام الثلاثة القادمة، مما يعني توفر بعض الأموال التي يمكن استخدامها في مجالات أخرى.

وعلى الرغم من أن الرياض حاولت إظهار قوتها في المنطقة وتسببت بما لاشك فيه في صداع لطهران وموسكو، إلا أن سلاح النفط لا يمكنه وقف الآثار السيئة للقضايا الخطيرة المتنامية في المنطقة.

فتنظيم “الدولة الاسلامية” يسيطر على منطقة في سوريا والعراق تماثل في مساحتها بريطانيا. كما أن عداءهم للأسرة الحاكمة في السعودية كان واضحا في خطاب حديث لأبي بكر البغدادي “خليفة الدولة الاسلامية”.

وسيستمر تدفق النفط الرخيص من تنظيم “الدولة الاسلامية” مما يوفر لها عائدات بالملايين يوميا وعلى الرغم من النجاح الملحوظ للسعوديين في ضرب أهداف للتنظيم، فإنه لا يمكن ضمان هزيمته دون تعاون واضح بين الولايات المتحدة وإيران لحل تلك المسألة، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى إذعان غاضب من الرياض.

وبالمثل فإنه سيكون على الرياض أن تقبل على مضض وجود صفقة من نوع ما بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، والمانيا) من أجل تجنيب المنطقة الدخول في حرب اقليمية.

هذا هو أفضل ما يمكن في سلسلة من الاختيارات السيئة. وتبدو محاولات السعوديين الأخيرة لإشراك الإيرانيين خاصة في قضايا الأمن الإقليمي مثل تنظيم “الدولة الاسلامية” أمرا ايجابيا، الا أن انعدام الثقة عميق بين الدولتين لم يساعد كثيرا في التقارب بينهما.

زر الذهاب إلى الأعلى