ما سرّ “العلاقة الغامضة” بين تركيا وتنظيم داعش؟.. تساؤل طرحته صحيفة “إندبندنت” البريطانية في الثاني والعشرين من أيلول الماضي في إطار تقرير لها غداة إفراج التنظيم الإرهابي عن نحو 50 من دبلوماسيي القنصلية التركية في مدينة الموصل وعائلاتهم اختطفهم التنظيم إثر استيلائه على المدينة قبل ذلك بمئة يوم.
مبعث التساؤل أن عملية الإفراج تمّت من دون أي ثمن دفعته أنقرة بحسب ما أعلن يومها رئيس الوزراء التركي (رئيس الجمهورية حالياً) رجب طيب أردوغان الذي زعم أن المحتجزين “حُرِروا” في عملية سرية نفّذها جهاز المخابرات التركية ورفض الكشف عن تفاصيلها.
يومها أيضاً نقلت الصحيفة في تقريرها عن أكراد سوريين شعورهم بالاستياء حيال الحكومة التركية التي قالوا أنها تتواطأ مع داعش لتدمير الجيوب المستقلة لأكراد سوريا.
“الظروف الغريبة” التي تلت عملية اعتقال الرهائن ثم الإفراج عنهم دفعت الصحيفة البريطانية – كما سواها – إلى التخمين بأن تركيا تجمعها مع داعش علاقة مختلفة وأكثر ودية من غيرها من الدول. وما زاد من قوة التخمين أن المواقع الإلكترونية التركية المؤيدة لداعش أعلنت أن الإفراج عن الرهائن الأتراك جاء بأوامر مباشرة من “الخليفة” أبو بكر البغدادي. وبالطبع فان الصحيفة –كما غيرها أيضاً – قارنت بين معاملة داعش لكل من الرهائن الأتراك والصحفيين الأوربيين والأميركيين الذين ذبحهم التنظيم أمام الكاميرات من دون حتى أن يطلب عقد صفقة لإطلاق معتقلين للتنظيم في مكان مثلاً.
بعد أقل من أربعة أشهر على نشر الصحيفة البريطانية تقريرها ما عاد في أمر العلاقة بين أنقرة وداعش أي غموض؛ أنه في منتهى الوضوح، فالسلطات التركية تسهّل على المكشوف الآن لمقاتلي داعش عبورهم الى سوريا والعراق، أنهم يتدفقون بالعشرات يومياً قادمين من شتى الأصقاع في عملية لا يمكن إلا أن تكون بعلم جهاز المخابرات التركي المنظم تنظيماً متيناً وبموافقته، وليست الإرهابية الفرنسية الجزائرية حياة بو مدين آخر العابرين.
في تسعينيات القرن الماضي وحتى مطلع العام 2003؛ قال كاتب المقال بصحيفة المدى العراقية، اعتدت على التنقل مرة أو مرتين في السنة بين العاصمة البريطانية وإقليم كردستان العراق عبر تركيا، أطير إلى إسطنبول ثم إلى ديار بكر، ومنها بالسيارة إلى زاخو، كان عليّ دائماً أن أُخفي طبيعة مهنتي ومهمتي الصحفية، ما من مرة ذهبتُ إلى هناك منفرداً أو مع زملاء إلا وتعرّضت مرتين أو ثلاثة في الأقل للتحقيق من قوات الجندرمة أو المخابرات التركية، يسألون عن كل شيء، ويدقّقون في كل الوثائق، ويفتّشون حتى الملابس الداخلية، على طول الطريق البرية كانت أكثر اللافتات انتشاراً هي التي تقول (DUR) التي تعني (توقف)، من أجل المساءلة والتفتيش بالطبع.
ذات مرة، على سبيل المثال، كنت أحمل مجموعة قصصية للكاتب التركي الساخر الشهير عزيز نيسين مترجمة إلى العربية، حقّق معي عنصر المخابرات مطولاً بشأن الكتاب، لم ينفع أنه لكاتب تركي، فقد صادره لأن حمل الكتب من والى إقليم كردستان محظور كما قال. وفي مرة أخرى صادر عنصر آخر صوراً تذكارية لي ولزميلين إقبال القزويني ومحمد خلف، رفيقيَّ في تلك السفرة.
كان الأتراك يستخدمون مترجمين من التركمان العراقيين للتأكد من أن العابر إلى إقليم كردستان أو منه عراقي فعلاً.
الحرب الدولية على الإرهاب قاصرة ما لم تضع أطرافها، بما فيها حكومتنا العراقية، في حسبانها العامل التركي .. أنه عامل خطير في الواقع، فدعم أنقرة لداعش واضح تماماً، وهو عامل قوة كبير بالنسبة للتنظيم الإرهابي.
ينبغي أن يُقال للتركي الآن بنبرة عالية وقوية : DUR