نشرت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي مقالاً للكاتبة كارولين وايت قالت فيه: رغم تصاعد وتيرة الهجمات التي يشنها مسلمون متطرفون في السنوات الأخيرة على صحفيين ورسامي كاريكاتير يعتبرونهم يهينون دينهم، فإن هذه الهجمات التي وقع آخرها في قلب أوروبا وفي العام 2015 ما زالت لها وقع الصدمة.
ففي أوروبا ما بعد الحركة التنويرية، أوروبا العقلانية، تم إقصاء الدين إلى مكان آمن منذ مدة طويلة جدا، حيث أصبح الدينان المسيحي واليهودي مادة للهزل في المجتمعات الغربية العلمانية.
ولكن الإسلام شيء آخر. فالمعارك التي تخاض داخل الدين الاسلامي، بين السنة والشيعة من جهة وبين التفسير المتطرف للإسلام كالذي يعتنقه تنظيم “الدولة الإسلامية” على سبيل المثال والمسلمون الذين يرغبون في ممارسة دينهم بسلام من جهة أخرى وجدت في شوارع المدن الأوروبية ساحات لها مع كل النتائج الوخيمة لهذه المعارك على تماسك المجتمعات الأوروبية.
قد يكون الهجوم الأخير من تدبير ما أصبح يطلق عليه “ذئاب منفردة” – أي بدون تخطيط وتدبير من تنظيمات كبيرة – ولكن نتائجها ستنتشر إلى كل القارة الأوروبية مثيرة نقاشا معمقا حول فشل عملية اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية المضيفة لهم في العقود الماضية.
ففي فرنسا وألمانيا وحتى في المملكة المتحدة، كانت الجاليات المهاجرة ينظر إليها بعين الريبة حتى قبل هجوم الاربعاء.
في فرنسا أكبر جالية مسلمة في أوروبا إذ يبلغ تعدادها نحو خمسة ملايين نسمة (حوالي 7,5 بالمئة من مجموع السكان)، أما في ألمانيا فيبلغ عدد المسلمين 4 ملايين (5 بالمئة) وفي بريطانيا يبلغ عددهم 3 ملايين (5 بالمئة أيضا).
وفي الدول الثلاث، تجد الأحزاب السياسية الرئيسية نفسها مجبرة على التجاوب مع السخط والاستياء المتزايد حول معدلات الهجرة المرتفعة وما يبدو أنه الرغبة المتصاعدة للأجيال الشابة من الأسر المهاجرة لرفض الاندماج والتأقلم مع نمط الحياة الليبرالي الغربي، بما في ذلك التقاليد الخاصة بحرية التعبير والتسامح الديني.
ففي المملكة المتحدة على وجه التحديد جرى التعامل مع هذا السخط العام بشكل أكثر سلمية، وذلك من خلال النقاش الجاري حول “القيم البريطانية” والطريقة التي تم التعامل بها مع فضيحة أسلمة المدارس الأخيرة.
ربما شعر الوعي الجمعي البريطاني بالتطرف الإسلامي للمرة الاولى قبل 20 عاما، عندما أصدر الزعيم الإيراني الخميني فتواه الشهيرة ضد الكاتب سلمان رشدي بعد أن أصدر الأخير روايته “الآيات الشيطانية”، مما أجبر رشدي على الهرب والتخفي لعدة سنوات، ثم جاءت هجمات السابع من يوليو / تموز 2005 لتذكر البريطانيين بأن العنف المتطرف قد يضرب بلدهم في أي وقت.
ولكن فرنسا شهدت مستوى أعلى من أعمال العنف التي تقترف باسم الدين في شوارعها في العقود القليلة الماضية، رغم أنها كانت تحاول أن تصف معظم الهجمات التي يقوم بها “ذئاب منفردون” على أنها من تنفيذ أناس مختلين عقليا.
ولكن هذا التفسير لم ينطل على الجميع، ولذلك نرى أن عددا متزايدا من اليهود الفرنسيين قرروا الرد على الهجمات التي تستهدفهم وجاليتهم من جانب المسلمين المتطرفين بالهجرة إلى إسرائيل.
فالهجمات التي استهدفت في الآونة الأخيرة معابد اليهود وممتلكاتهم في ضواحي باريس الفقيرة (مثل ضاحية سارسيل) التي يسكنها المسلمون واليهود جنبا إلى جنب عززت مخاوف اليهود من أن العنف المستشري في أجزاء من إفريقيا والشرق الأوسط – والذي يجبر العديدين على طلب اللجوء في أوروبا – قد تبعهم إلى فرنسا.
وتشهد ألمانيا بدورها ارتفاعا في المشاعر المعادية للمسلمين في مدنها، إذ يبدو أن القلق من التطرف الإسلامي انتشر من اليمين المتطرف إلى الحياة العامة كما تشير الشعبية المتزايدة التي تتمتع بها حركة بيغيدا التي تقول إنها تقاوم “أسلمة” أوروبا.
ورغم أن الكثير من الزعماء السياسيين والدينيين الألمان قد هاجموا بيغيدا، ورغم خروج مظاهرات كبيرة مناوءة لها، فإن المخاوف التي تعبر عنها الحركة تنجح في استقطاب الآلاف.
إن قتل صحفيي تشارلي إبدو سينظر إليه على أنه تذكير مزعج للغرب بأن بعض المسلمين – ولاسيما الشباب المتطرفين – مستعدون لقتل أولئك الذين يتحدون تفسيرهم المتعصب لدينهم.
نتيجة لذلك، نرى أن المجتمعات الليبرالية في أوروبا الغربية بدأت بالانقسام حول الكيفية المثلى للتعامل مع الإسلام المتطرف وتأثيراته على بلدانها – فيما تفكر الحكومات الأوروبية بقلق حول احتمال تعرض مسلمي أوروبا إلى موجات انتقام.
اليوم، وبعد الهجوم على شارلي إبدو، توحدت المنظمات والجمعيات الإسلامية في بريطانيا وفرنسا بإدانة الهجوم قائلة إن الارهاب يعتبر اعتداء على الإسلام.
ولكن رد الفعل المحتمل، بما في ذلك زيادة شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة قد تؤذي المسلم العادي اكثر من أي أحد آخر، مما يجبر الزعامات السياسية والدينية الأوروبية على التفكير في السبيل الأنجع لمجابهة العنف الذي يحمل اسم الدين دون ظلم الأقليات أو التعرض للاتهام “بمعاداة الإسلام.”