قبل سنوات طويلة من اختراع الكمبيوتر والهواتف المحمولة وغيرها من أجهزة الاتصالات الحديثة، تنبأ العالم ألبرت أنشتاين الذي يعتبره الكثيرون أحد أهم العقول المفكرة في القرن العشرين، بأن تساهم التكنلوجيا الحديثة في فقدان التواصل والتفاعل بين بني البشر عندما قال: “أخشى أن تفقدنا التكنلوجيا القدرة على التفاعل، العالم سيتحول إلى مجموعة من الحمقى”.
وعلى الرغم من أن بعض المؤرخين يشككون بأن أنشتاين قال هذه العبارات، إلا أن ما نشهده اليوم يعكس تماماً فحواها، فإذا نظرنا من حولنا سنجد الهواتف وأجهزة الكمبيوتر وسائل التقنية الحديثة قد سيطرت على عقول البشر، وأصبح التفاعل المباشر بين الناس أمراً نادراً بحسب صحيفة دايلي ميل البريطانية.
ففي الماضي كان الناس يمارسون العديد من النشاطات من قبيل اجتماع الأسرة حول مائدة الطعام، أو الخروج لحضور مباراة رياضية أو حفلة موسيقية أو فيلم سينمائي، إلا أن الهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي سيطرت بشكل كبير على عقول مستخدميها، وأفقدتهم روح الحياة الاجتماعية السليمة.
بالطبع نحن جميعاً مسؤولون عن ذلك، وحتى العديد من منتقدي هذه الظاهرة هم من أكثر مدمني استعمال الهواتف وتفقد الرسائل والبريد الإلكتروني بين الفينة والأخرى، وحتى الذين يجتمعون حول مائدة واحدة في مطعم أو يجلسون في سهرات عائلية، يكون الهاتف المسيطر على نشاطاتهم، وليس من المستغرب أن تجد أفراد الأسرة يجتمعون في مكان واحد عند المساء، إلا أن التواصل بينهم يكاد يكون مفقوداً بالكامل، فكل منهم منشغل بهاتفه أو بجهاز الكمبيوتر المحمول يتابع آخر الرسائل والتعليقات ومقاطع الفيديو وغيرها.
وأظهرت دراسة أجرتها شركة تسويق إلكتروني في بريطانيا أن معدل استخدام الهاتف المحمولة في البلاد يبلغ 221 مرة في اليوم، وذلك لتفقد البريد الإلكتروني وتبادل الرسائل النصية و متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدأ ذلك عند الساعة 7.30 صباحاً ولا ينتهي قبل الساعة 11.30 قبل منتصف الليل، أي بمعدل وسطي 16 ساعة في اليوم.
كما بينت الدراسة أن معدل عدد ساعات استخدام البريطانيين لهواتفهم يبلغ حوالي 3 ساعات ونصف تقريباً بشكل يومي، وتتفوق النساء على الرجل في هذا المجال بحوالي 23 دقيقة، ويزيد الاستخدام لدى الفئات العمرية الأصغر سناً، حيث يصل بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 24 عاماً إلى 4 ساعات وربع في اليوم، إلا أن كبار السن يستخدمون الهواتف بمعدلات مرتفعة أيضاً، إذا يصل معدل استخدام من تجاوزوا 55 عاماً إلى ساعتين وربع في اليوم.
وإذا صح ما نسب إلى أنشتاين من تنبؤات، فبالتأكيد لن يكون سعيداً إذا شاهد ما وصل إليه الحال هذه الايام بين مستخدمي التقنية الحديثة.