تشهد مدينة درسدن الألمانية الشرقية كل يوم اثنين منذ أكتوبر الماضي مظاهرات “معارضة للأسلمة” تنظمها حركة شعبوية جديدة تطلق على نفسها اسم “بيغيدا” (مواطنون أوروبيون ضد أسلمة الغرب).
وما لبثت الأعداد المشاركة في هذه المظاهرات تتصاعد باستمرار، ولكن في المقابل تتنامى حركات معارضة لتوجه بيغيدا التي تنظم هي الأخرى مظاهرات يشارك فيها مواطنون ألمان تخيفهم المشاعر المعادية للمسلمين التي تعبر عنها. وهؤلاء مصممون على الدفاع عن التنوع والتسامح في المجتمع الألماني.
ولكن من المحتمل جدًا أن تزيد الهجمات الأخيرة التي وقعت في العاصمة الفرنسية والتي استهدفت مكاتب صحيفة شارلي إيبدو من الدعم الذي تتمتع به بيغيدا التي تستغل الخوف والغضب الذي اثارته الهجمات.
ما هي بيغيدا ؟
ترمز بيغيدا (Patriotische Europaer Gegen die Islamisierung des Abendlandes) إلى عبارة أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب.
ويقول مؤيدو الحركة إنه ينبغي على الشعب أن “يستفيق” للخطر الذي يمثله المتطرفون الإسلاميون. ويطالبون بأن تقيد الحكومة الألمانية حركة الهجرة إلى البلاد متهمين السلطات بالتقاعس في تطبيق القوانين الموجودة بالفعل.
وكانت المظاهرة التي نظمتها الحركة في درسدن في الخامس من الشهر الحالي قد شارك فيها 18 ألف من مؤيديها، فيما شارك نحو 25 ألفًا في المظاهرة التي جرت اليوم عقب هجمات باريس.
ولكن المثير أن درسدن يسكنها عدد أقل بكثير من المهاجرين من سواها من المدن الألمانية.
ومن الشعارات التي يرفعها المشاركون في هذه المظاهرات “نحن الشعب”، وهو نفس الشعار – الذي اختارته الحركة عمدا – الذي رفعه المتظاهرون في ألمانيا الديمقراطية السابقة قبيل انهيار جدار برلين وإعادة توحيد البلاد.
وتقول بيغيدا إنها تدافع عن المبادئ “اليهودية – المسيحية”، فيما يتجنب برنامجها استخدام العبارات العنصرية. وتقول إنها تقف ضد “دعاة الكراهية مهما كانت دياناتهم”، وضد “التطرف دينيا كان أم سياسيا.”
وتقول إنها تعارض “الأفكار السياسية المعادية للمرأة والتي تدعو للعنف” ولكنها ليست ضد “المسلمين المندمجين في المجتمع الألماني.”
وتتحدى حركة بيغيدا ما تعتبره السياسات المفرطة في الليبرالية والتعدد الثقافي في ألمانيا وهي السياسات التي هيمنت على الحياة السياسية في البلاد عقب الحرب العالمية الثانية.
كيف انطلقت بيغيدا ؟
كانت الانطلاقة الأولى لبيغيدا على هيئة صفحة في موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي أسسها شخص يبلغ الـ 41 سنة من العمر يدعى لوتز باخمان. وباخمان هذا طباخ تحول إلى مصمم، ويصر على أنه ليس عنصريا. ويعترف باخمان بأنه مجرم سابق أدين بجرائم منها الاتجار بالمخدرات، وأنه قضى فترة في السجن.
وزادت أعداد مؤيدي الحركة بفضل شبكات التواصل الاجتماعي، بدأت بيغيدا بعدها باجتذاب اليمينيين من أعضاء الأحزاب السياسية الألمانية الرئيسية.
من يؤيد بيغيدا ؟
اجتذبت بيغيدا شتى الجماعات اليمينية والمتطرفة منها علاوة على الناس العاديين الذين يشعرون بالقلق إزاء الإسلام المحافظ وتأثيراته على المجتمع الألماني. ويشعر مؤيدو الحركة بشكل عام بالقرف من السياسيين التقليديين.
وقد اثنت بعض حركات النازية الجديدة على بيغيدا، وفي بعض المظاهرات صرخ عدد من المشاركين “كاذبو الصحافة” بوجه الصحفيين وهو هتاف يعود تاريخه إلى الحقبة النازية.
وتتمتع بيغيدا أيضًا بدعم أعضاء حزب (AfD) “البديل لألمانيا” وهو حزب يميني جديد معارض للاتحاد الأوروبي يطالب هو الآخر بتشديد شروط الهجرة. ووصف أحد زعماء هذا الحزب، وهو أليكساندر غاولاند، مؤيدي بيغيدا بأنهم حلفاء طبيعيون لحزبه.
يذكر أن؛ لحزب AfD نواب في عدد من البرلمانات المحلية في ألمانيا، وقد ينجح في إقناع الناخبين بالتخلي عن حزب المستشارة أنجيلا ميركل الحاكم، حزب المسيحيين الديمقراطيين.
وقطع بعض الألمان مسافات كبيرة للمشاركة في مظاهرات بيغيدا في درسدن، كما نظمت الحركة مظاهرات أصغر حجمًا في مدن ألمانية أخرى. ويشارك في هذه المظاهرات أيضًا مشاغبو كرة القدم من الذين لهم ارتباطات باليمين المتطرف.
وخرجت مسيرة لبيغيدا في العاصمة النرويجية أوسلو يوم الاثنين، كما تخطط الحركة لمسيرة في الدنمارك في الأسبوع المقبل.
من يعارض بيغيدا ؟
وجه قادة وزعامات الأحزاب السياسية الألمانية التقليدية انتقادات لاذعة لحركة بيغيدا، وشارك عشرات الآلاف من الألمان في مظاهرات معاكسة للتعبير عن دعمهم للتسامح والتنوع.
فقد شارك أكثر من 35 ألف متظاهر في مسيرة معارضة لبيغيدا في درسدن في العاشر من الشهر الحالي في محاولة منهم لاثبات أن مدينتهم مدينة مفتوحة تؤمن بالتسامح.
وحثت المستشارة “ميركل” في الكلمة التي وجهتها للشعب بمناسبة العام الجديد على الابتعاد عن بيغيدا، وقالت “لا تتبعوا أولئك الذين ينظمون هذه المظاهرات لأن قلوبهم باردة وملأى بالتعصب وحتى الكراهية.”
ووقع عدد كبير من السياسيين والشخصيات المعروفة على بيان نشرته صحيفة بيلد أكثر الصحف اليومية الألمانية انتشًارا للاحتجاج على بيغيدا. ومن الموقعين على البيان المستشار السابق هلموت شميت ولاعب الكرة المعتزل أوليفر بيرهوف.
وجاء في البيان “لا للكراهية ونعم للتنوع والتسامح.”
وشهد اليوم الخامس من الشهر الجاري مظاهرات كبيرة معارضة لبيغيدا في مدن كولون وشتوتغارت وبرلين.
وصاحبت هذه المظاهرات خطوات من شأنها التعبير عن الدعم للمتظاهرين المناوئين لبيغيدا، فقد أطفئت أنوار كاتدرائية كولون الشهيرة كما أطفئت في مصنع سيارات فولكسفاغن في درسدن.
لماذا اصبح الإسلام مصدر خلاف في ألمانيا الآن؟
طالما كان السياسيون الألمان أكثر السياسيين الأوروبيين تأييدًا للتسامح والتنوع، وكانت الروح المنفتحة هذه جزئيًا على الأقل رد فعل لشرور النازية.
ولكن، ومع قدوم القرن الحادي والعشرون، وفر العنف الجهادي والفقر أرضًا خصبة لنمو الجماعات المعادية للهجرة.
وحتى قبل ظهرو بيغيدا، كان ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس قد أصبح موضوعا للجدل السياسي، وقد حظرت عدة ولايات ألمانية على المدرسات ارتداء الحجاب بالفعل.
وكشف استطلاع للرأي أجرته مؤخرًا مؤسسة برتلسمان وفقًا لـ BBC؛ عن أن 57 بالمئة من الألمان غير المسلمين يعتبرون الإسلام مصدر تهديد.
وتسلمت ألمانيا العام الماضي أكثر من 180 ألف طلب للجوء، مقارنة بـ 127 ألف طلب عام 2013. وتستضيف ألمانيا عددًا أكبر من اللاجئين من أي دولة أوروبية أخرى مما يولد ضعوطا على الخدمات والإسكان.
وتعتبر الجالية التركية المسلمة أكبر مجموعات المهاجرين في البلاد، إذ يبلغ تعدادها 3 ملايين نسمة. ويقيم معظم أفراد هذه الجالية في ألمانيا منذ عقود، ويعتبر كثير منهم مندمجين في المجتمع الألماني.
ولكن هناك الوافدين الجدد من سوريا والعراق والشيشان وأفغانستان الذين لم يندمجوا بالمجتمع المضيف.
ويقول مؤيدو بيغيدا الطبقة السياسية تهمل موضوعي الهجرة والهوية الوطنية، ولذا فهم يحاولون استثارة الوعي العام.
ولكن ثمة قلق حقيقي من أن هذه المظاهرات ستثير مشاعر كراهية ضد المسلمين خصوصًا بعد الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو بباريس.