أدى فوز الجمهوريين بالأغلبية المطلقة في مجلسي الشيوخ والنواب، إلى تحول شكل العلاقة كليًا بين الرئيس أوباما ومعارضيه؛ حيث حاول الرئيس أوباما تفادي أن تصبح إدارته عاجزة عن اتخاذ قرارات حقيقية، في حين يوجه الجمهوريون تركيزهم نحو الانتخابات الرئاسية المقبلة (2016).
يؤكد ذلك ما اتخذه الرئيس أوباما من خطوات في الأيام التالية على الانتخابات، وإصراره على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من “تراثه الرئاسي”، وما تبدى في قراره لتفعيل صلاحيات “السلطات التنفيذية للرئيس” فيما يخص إصلاح نظام الهجرة، ووجود مؤشرات حول إمكانية لجوئه إلى حق “النقض الرئاسي”، عقب تمرير الكونغرس مشروع خط أنابيب Keystone XL. كما أن الإعلان عن استقالة وزير الدفاع تشاك هيجل، العضو الجمهوري الوحيد بإدارة أوباما؛ يؤشر على الاتجاه لإحداث تغيير في سياسات الإدارة، خاصة في السياسة الخارجية الأمريكية بحسب “واشنطن بوست”.
أخذ أوباما أيضًا زمام المبادرة بتنفيذه تعهدات سابقة بتفعيل “السلطة التنفيذية للرئيس” فيما يخص إصلاح نظام الهجرة، عقب شهورٍ من تعطيل القانون داخل الكونغرس بسبب العرقلة الجمهورية. ويمنح الإصلاح الجديد، تقنينًا مؤقتًا لحوالي خمسة ملايين مهاجر غير شرعي من أصل 11 مليونًا مقيمين حاليًّا في الأراضي الأمريكية. واعتبارًا من مطلع العام الجديد، يمكن لأي مهاجر قضى أكثر من خمسة أعوام في الولايات المتحدة، أو لديه طفل يحمل الجنسية الأمريكية، التقدم بطلب للحصول على رخصة عمل لمدة ثلاثة أعوام. ويستهدف اختيار أوباما للتوقيت وتفعيل أداة السلطة التنفيذية تحقيق مايلي:
1- استباق انعقاد الكونغرس في تشكيله الجديد في الدورة رقم 114، لإطلاق جدل إعلامي ومجتمعي واسع، يشكل تحديًا للخطاب السياسي الجمهوري، ويمكنه من قياس خيارات ردود الفعل لدى الجمهوريين تمهيدًا لمواجهتها فور انعقاد المجلس.
2- استغلال الانقسام في أوساط الجمهوريين، ما بين تيار صدامي متشدد، وآخر أكثر اعتدالا. يمثل التيار المتشدد -على سبيل المثال- السيناتور “تيد كروز”، الذي طالب بالتصويت سلبًا على أية ترشيحات أو مشاريع قانون تُطرح من جانب أوباما والحزب الديمقراطي، ووصف قرار الرئيس بالمؤامرة. والنائبة “ميشيل باخمان”، التي وصفت القرار بـ”غير الحكيم، غير العادل، غير الضروري.. الذي سيساعد ملايين المهاجرين غير المتعلمين وغير المؤهلين وغير القادرين على تحدث الإنجليزية من الدخول إلى البلاد، بما ستكون له تكلفة اجتماعية مرتفعة”. في المقابل، وفي لهجة أكثر اتزانًا، انتقد السيناتور “ليندس جراهام”، التحرك أحادي الجانب من قبل أوباما، لكنه عاب على الحزب الجمهوري طريقة تناولهم للقضية.
3- التدليل على غياب أية سياسات جمهورية بديلة لمعالجة القضايا الأكثر إلحاحًا، فرغم موافقة أوباما المسبقة على دعم تأمين المناطق الحدودية، كأحد متطلبات الجانب الجمهوري في إطار نظام الهجرة الجديد، فإن القانونَ لم يتم تمريره في مجلس النواب ذي الأغلبية الجمهورية. ورغم أن أوباما قد استجاب لرغبة الحزب الديمقراطي بتأجيل المواجهة بشأن ملف الهجرة إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي، فإن الجانب الجمهوري لم ينتهز الفرصة للتقدم بمشروع إصلاحي بديل.
4- فرض ملف الهجرة كإحدى القضايا الرئيسية لحملة الانتخابات الرئاسية المقبلة، مما يمنح للحزب الديمقراطي قدرًا من الأسبقية والأفضلية، ويُربك الحزب الجمهوري إلى حدٍّ ما، خاصةً أن الأقليات العرقية المختلفة، وفي مقدمتهم ذوو الأصول اللاتينية، سيكون لها نصيب أكبر من القاعدة الانتخابية خلال عام 2016.
على مستوى آخر؛ ترك أوباما الباب مفتوحًا أمام التراجع عن القرار التنفيذي في حال تم تمرير نظام الهجرة المقدم من قبل الكونغرس، بما يحقق له انتصارًا معنويًّا وسياسيًّا واضحًا، مع حفظ ماء وجه الجمهوريين. وقد يفتح ذلك الباب أمام تعاون الجانبين في قضايا محوريةٍ أخرى يفترض أنها أقل إثارةً للخلاف، مثل اتفاقيات التجارة الحرة. كما يحتاج الرئيس الأمريكي إلى تعاون الجمهوريين فيما يتعلق بتمويل مشاريع البنية التحتية، ونظام الضرائب على قطاع الشركات، والتطورات المتعلقة ببرنامج إيران النووي.
وقد يجنح أوباما إلى “التوافق” وتقديم تنازلات للجمهوريين حول بعض القضايا، ومن أبرزها في الوقت الحالي ما يتعلق بمشروع خط أنابيب “keystone XL” الذي يفترض أن ينقل البترول من كندا إلى مصافي التكرير على السواحل الأمريكية. وتبلغ قيمة المشروع حوالي 8 مليارات دولار، وتم إقراره بالموافقة في جلسة مجلس النواب التي عُقدت الجمعة 14 نوفمبر الجاري؛ حيث يستعد الجمهوريون لطرحه على مجلس الشيوخ، سعيًا وراء أصوات 15 ديمقراطيًّا لضمان تمريره.
بينما يخشى الجمهوريون من استخدام أوباما لحق النقض “الفيتو” ضد المشروع في حالة تمريره نهائيًّا، في ظل المعارضة الديمقراطية الواضحة له بسبب المخاطر البيئية المترتبة عليه. إلا أن أوباما التزم حتى الآن بموقف هادئ غير صدامي، في انتظار صدور الحكم في القضية المتعلقة بالمشروع، والمنظورة أمام قضاء ولاية نيبراسكا حول مسار خط الأنابيب عبر الولاية، واختراقه الحدود الأمريكية.