كنز بعشرات المليارات في سوق العقارات يحيّر حكومة كاميرون

فندق المبيت والإفطار السابق والقريب إلى الواجهة البحرية في بلاكبول، يماثل البلدة الواقعة في شمال إنجلترا نفسها، شهد أياما أفضل.

منذ عام 1982 فإن المالك، فال، يعمد إلى تأجير 19 غرفة في الفندق ليستفيد منها أصحاب المطالبات العاطلين عن العمل على المدى الطويل.

يتلقى كل مستأجر 91 جنيها في الأسبوع على شكل إعانة إسكان لدعم إيجاراتهم – وهو ما يعني أن فال، الذي يشبه المنزل بـ “أسرة واحدة كبيرة”، وهو يكسب نحو 90 ألف جنيه إسترليني في السنة من الدولة: أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط الأجر في بريطانيا.

فال ليس وحده، حيث تلقى ملاك البلدة الساحلية 91 مليون جنيه إسترليني على شكل إعانة إسكان العام الماضي.

من بين 17500 منزل مستأجرة من القطاع الخاص، هناك أكثر من 14 ألفة منها مؤهلة للحصول على إعانة الإسكان، وهي أعلى نسبة في البلاد.

ويتكرر الوضع في جميع أنحاء المملكة المتحدة، التي دفعت 24 مليار جنيه إسترليني في شكل إعانات الإيجار في 2013/2014، أي ضعف المبلغ قبل عشر سنوات، ويعادل جنيها من كل أربعة جنيهات في عجز الميزانية البريطانية.

إيان دنكان سميث وزير العمل والمعاشات، يصف إعانات الإيجار بأنها جزء من “نظام رعاية اجتماعية مصاب بالاختلال الوظيفي” الذي غالبا ما يوقع في شركه أولئك الذين يفترض أن يساعدهم. خفض الإنفاق على المنافع موجود على رأس قائمة أولويات حكومة المحافظين الجديدة.

إلا أن نشطاء مكافحة الفقر يرون أنه من دون هذا الدعم فإن آلاف العائلات قد تكون بلا مأوى. يرد المعارضون أن الدعم يملأ في نهاية المطاف جيوب الملاك المهملين، ويدعم ارتفاع أسعار المنازل عن طريق زيادة قدرتهم على التقدم بأسعار عند شراء المنازل.

كما يقول ستيف ماثيوز، مدير سكن تابع لمجلس بلاكبول: “لا أحد يستيقظ في الصباح وهو يتطلع للعيش في سرير في فندق. ينتهي الحال بالناس في هذا السكن، لأنهم مستضعفون وليس لديهم خيار آخر”.

مستأجرو فال هم في خضم أزمة السكن. النقص في المعروض لأنه يتم بناء عدد قليل جدا من المنازل دون الحد، يتفاقم بسبب ارتفاع الطلب نتيجة لتزايد عدد السكان، الذي ارتفع بنسبة 7.6 في المائة خلال السنوات العشر المنتهية في عام 2013. وجزئيا نتيجة لذلك تعتبر أسعار المنازل في لندن للقدم المربعة الواحدة الآن ثاني أعلى المعدلات في العالم بعد موناكو، وفقا لمركز الأداء الاقتصادي التابع لكلية لندن للاقتصاد.

المشكلة حادة: متوسط تكاليف شراء منزل في المملكة المتحدة الآن يكلف المشتري الأول خمسة أضعاف دخله، ارتفاعا من 2.8 مرة ضعف دخله في أوائل الثمانينيات. وعمل ذلك بدوره على تغذية الطلب على المساكن المستأجرة، ما أدى إلى ارتفاع التكاليف والتهام كميات متزايدة من دعم الدولة.

ووفقا لمكتب مسؤولية الميزانية، في العام الماضي أنفقت المملكة المتحدة أكثر من 25 مليار جنيه استرليني على إعانات الإيجار وملكية المنازل، ولكن انتهى بها الأمر إلى 141 ألف منزل جديد فحسب، يجري بناؤها. ويقول بعض الاقتصاديين إنه أقل من المستوى الذي تحتاج إليه بنسبة 40 في المائة على الأقل بحسب “فاينانشيال تايمز”.

المعادلة السياسية

في أزمة السكن في بريطانيا، يلقى باللوم على نطاق واسع على التدخل الحكومي الذي هو دون الحد اللازم. بيد أن تدخل الدولة هو في أعلى مستوى له منذ السبعينيات – ذروة بناء مساكن المجالس الشاملة.

يقول السير ستيوارت ليبتون، أحد أكثر المطورين العقاريين خبرة في بريطانيا، إن الوضع هو “أزمة كبيرة مثل أي أزمة أخرى في البلاد”. وكما يضيف: “نحن في حاجة إلى قيادة سياسية”.

الأزمة تثقل على الاقتصاد البريطاني. قادة الأعمال يستشهدون بتكاليف السكن – خاصة في لندن وحزام التنقل اليومي في المناطق المحيطة – باعتبارها واحدة من أكبر الأخطار التي تهدد النمو. الناس لا يمكن أن تنتقل إلى مناطق أكثر تكلفة للعثور على عمل، ما يجعل من الصعب على الشركات توظيف الموظفين المهرة. يواجه العمال من ذوي الدخل المنخفض تكاليف السكن العالية التي تفاقمت بسبب النمو المتعثر للأجور.

943999ac7cdefd1be54e0cd54934b9a1_w570_h650

يقول مجلس الضغط لمصلحة الأعمال “لندن أولا” إن ثلاثة أرباع المؤسسات الأعضاء في المجلس تعتقد أن الإسكان يشكل تهديدا خطيرا للقدرة التنافسية الاقتصادية في العاصمة.

البارونة جو فالنتاين، الرئيسة التنفيذية للمجلس، تحذر من أن لندن تواجه “هجرة الكفاءات” التي إذا تركت دون علاج، يمكن أن تصبح “كارثة”.

بلغ القلق العام من الإسكان أعلى مستوى على الإطلاق وفقا لاستطلاعات الرأي. خلال حملة الانتخابات العامة وعدت جميع الأحزاب الرئيسية بتقديم حوافز أكبر لمشتري المرة الأولى، ولكن كانت هناك مناقشات قليلة بشأن مدى فعالية أو دور الدولة.

فوز حزب المحافظين يعني أنه يجب عليه الآن الوفاء بوعده، وتأمين القدرة على امتلاك المنازل للمزيد من الناس دون تأجيج فقاعة عقارية متجددة.

جزء من الحكومة الائتلافية السابقة كان حزب المحافظين يريد تطبيق برنامج “المساعدة على الشراء” الذي تبلغ قيمته 23.8 مليار جنيه إسترليني، لدعم المشترين، ولكن اتهم البرنامج بأنه أدى إلى رفع أسعار المنازل، التي ارتفعت بنسبة 18.3 في المائة منذ بدء العمل به.

ويعتبر برنامج المساعدة على الشراء، الذي أعلن عنه جورج أوزبورن، وزير المالية البريطاني، وسط ضجة كبيرة في عام 2013 وسيستمر حتى عام 2020، أكبر دعم من الحكومة لامتلاك المنازل، منذ برنامج مارغريت تاتشر للمساعدة على الشراء في الثمانينيات – الذي سمح لنحو مليوني شخص من مستأجري المجالس بشراء منازلهم بأسعار مخفضة.

هذا البرنامج يساعد المشترين عبر ضمانات القروض العقارية وقروض حقوق الملكية وحسابات التوفير المدعومة. يجادل مؤيدو البرنامج بأنه يساعد الناس على الخروج من سوق الإيجار، وبالتالي الحد من احتمال وقوعهم في الحاجة إلى مساعدة الدولة، وأيضا يقدم لشركات إنشاء المنازل قدرا أكبر من اليقين، بأنه سيكون هناك أشخاص لشراء عقاراتهم – ما يشجع على زيادة المعروض.

المنتقدون يخشون أن برنامج المساعدة على الشراء يعمل على تشجيع جيل من الأسر ذات الدخل المنخفض، على تقديم التزامات مالية كبيرة قد تجد أن من الصعب عليها الالتزام بها – كما حدث مع كثير من أصحاب المنازل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في أيام ازدهار الإقراض العقاري لضعاف الملاءة قبل عام 2007.

على الرغم من إنفاق 1.4 مليار جنيه إسترليني سنويا على دعم ملكية المنازل، كان التمويل لبناء المساكن الاجتماعية في البرلمان السابق قد انخفض من 2.3 مليار جنيه استرليني، إلى 1.1 مليار جنيه استرليني سنويا – ضحية لتدابير التقشف.

من غير المرجح للحكومة الجديدة أن تتراجع عن هذا القرار، لكن النشطاء يجادلون بأن الأموال التي يجري إنفاقها حاليا على دعم الطلب على المساكن من خلال الإيجارات ومخططات الملكية – 115 مليار جنيه إسترليني بين عامي 2010 و2014 – ينبغي أن تنفق بدلا من ذلك على بناء المساكن الجديدة. إن هذا المبلغ سيكون كافيا لبناء 6.8 مليون منزل جديد تدعمه الدولة، بحسب متوسط المعدلات الحالية للدعم: وهو ما يكفي لاستيعاب النمو السكاني في البلاد لمدة 31 عاما.

تقول جيليان كامبل، عضوة مجلس بلاكبول المسؤولة عن السكن: “إن الحكومة تنفق كثيرا على إعانة الإسكان، بحيث إنه لم يبق لديها ما تنفقه على بناء منازل جديدة”.

جزء من جهود التقشف تسعى الحكومة إلى تقليص إعانات الإيجار، عن طريق وضع سقف للفوائد عند 23 ألف جنيه إسترليني لكل أسرة سنويا.

يجادل البعض أن عملية التخفيض تلك تخاطر بتثبيط ببناء المساكن. الملاك الاجتماعيون يبنون نحو خمس منازل بريطانيا الجديدة، وأكثر من نصف دخلهم يأتي من إعانة الإسكان. ولذلك خفض هذه المدفوعات يمكن أن يجعل عملية تمويل البناء صعبة على هؤلاء الملاك، وذلك وفقا لمحللين في السوق ووكالات التصنيف الائتماني.

وكما يقول المختصون، نحو ثلث الأسر في أي اقتصاد متطور تحتاج إلى نوع من المساعدة المالية لدفع تكاليف سكنهم. في عام 1975 كان أكثر من 80 في المائة من انخراط الحكومة البريطانية في مجال الإسكان يركز على زيادة العرض – بناء منازل جديدة، ولكن بحلول عام 2000 ذهبت الأغلبية العظمى من إعانات سوق الإسكان في بريطانيا، نحو دعم الطلب بدلا من العرض.

إطلاق برنامج المساعدة على الشراء، كما تقول كريستين وايتهيد، وهي مختصة بالإسكان وأستاذة في كلية لندن للاقتصاد، عزز هيمنة دعم الطلب إلى ما هو أبعد من ذلك.

يريد النشطاء الذين يدافعون عن الإسكان الميسور أن يروا انقلابا جذريا في هذا الاتجاه. وهم يجادلون بأن إعانات الإيجار والملكية ينبغي أن تستخدم لدفع تكاليف بناء مئات الآلاف من المنازل.

توبي لويد، رئيس قسم السياسات في جمعية شلتر للإسكان الخيري، يقول إن إمكانات القطاع الخاص لن تلبي أبدا الاحتياجات السكنية. “شركات بناء المنازل هم شركات تطوير تهدف إلى الربح، وهذه وظيفتهم. لماذا يرغبون في بناء المزيد من المنازل لبيعها بسعر أرخص؟”

في المملكة المتحدة، تصبح قطعة أرض معينة متاحة للبناء عليها، عندما تعطي سلطات التخطيط إذنا لتغيير استخدامها – من أراض زراعية أو صناعية أو تجارية.

في الأماكن التي ترتفع فيها أسعار المنازل، يمكن لهذه الموافقة أن تزيد قيمة الأرض بصورة لا يستهان بها.

من الممكن للدولة شراء أرض للمنازل ومن ثم بيعها إلى شركات التطوير، والاستيلاء على الفرق في القيمة. ويمكن استخدام الأموال بعد ذلك لدعم المزيد من بناء المساكن. تستخدم كل من كوريا الجنوبية وسنغافورة وهونج كونج وتايوان شركات التنمية الوطنية بهذه الطريقة.

النشطاء مثل لويد يجادلون بأن المملكة المتحدة ينبغي أن تحذو حذو تلك البلدان.

وفي الوقت الذي تستقر فيه حكومة المحافظين في السلطة، فإن الطلب لتخفيف الضغط على سوق الإسكان في المملكة المتحدة، لم يكن أبدا أكبر مما هو عليه الآن، كذلك لم يسبق من قبل أن كان الشعور بأنه لا يوجد حل سريع كبيرا مثلما هو عليه الآن.

وكما يقول كلير: “نحن نعيش في دورة سياسية منذ خمس سنوات، ولكن ينبغي التخطيط للإسكان على أفق مدته 25 عاما – يستغرق بناء بعض مواقعنا عشر سنوات”. ويضيف: “استغرق الأمر 30 عاما لإفساد الأمر وإيصاله إلى هذه الدرجة من السوء. بالتالي أي إصلاح، لن يتم في غضون خمس سنوات”.

زر الذهاب إلى الأعلى