سعود الريس: لبنان والعمامة الفارسية

سعود الريس- الحياة.. لم يكن رد السعودية على المواقف اللبنانية بوقف دعم الجيش والأمن الداخلي مفاجئاً، وعلى رغم أنه قرار مبرر ومنطقي جداً، إلا أنني لا أعتقد أنه من الأخبار المفرحة مثلما حاول البعض تصويره، لأنه باختصار رد لم يتخذ عاطفياً، لذلك علينا التعرف على خلفياته وتداعيات اتخاذه أيضاً.

هناك قصة حب كبيرة اسمها لبنان، تلك الدولة الصغيرة التي تشكّل أهمية جيوسياسية كبيرة في المنطقة، لكن تلك الأهمية تضاءلت قيمتها مع حال الانقسام التي تشهدها، فإضافة إلى خلاف الانقسام الطائفي، هناك انقسام من نوع آخر أكثر عمقاً بين العروبة والفارسية، وذلك هو المشهد الأكثر خطورة، لاسيما بعد انحصار الخيار، إما في ترك لبنان تحت العمامة الإيرانية، أو دعم تلك العمامة في لبنان! كيف ذلك؟.

كما هو معروف، فإن لبنان تقوده مجموعة طوائف، لكن الإشكالية أن طائفة واحدة فقط من تلك الطوائف تملك سلاحاً، وبطبيعة الحال باتت تملك القرار، لذلك أصبحت الحكومة اللبنانية عاجزة عن اتخاذ قرارات داخلية حاسمة، وبالتالي باتت غير قادرة على اتخاذ قرارات خارجية.

أما عندما نتحدث عن الجيش اللبناني، ففي كانون الأول (ديسمبر) 2013 أعلنت السعودية عن منحها هبة لهذا الجيش بقيمة ثلاثة بلايين دولار خصصت لشراء أسلحة من فرنسا التي أبدت استعدادها لتلبية حاجات لبنان.

تلك الهبة تعطي المجال للجيش اللبناني في اختيار ما يحتاجه من أسلحة بالقيمة التي وهبتها له المملكة، لكن الإشكالية هنا أن الجيش شأنه شأن الدولة، فهو مخترق، وصبغة الانقسام السياسي ذاتها موجودة داخل منظومته.

والجيش كما هو معروف عبارة عن مجموعة ألوية، وتلك الألوية يتذاكى الجيش بوجودها، فهو يرسل السني للمناطق السنية التي تنشأ فيها اضطرابات، ويرسل الشيعي أو العوني الموالي لحزب الله إلى المناطق التي يسكنها الشيعة، وتلك أيضاً إشكالية لا تعنينا كثيراً، لأن المنطق يقول إنه جيش يدافع عن تراب الوطن بغض النظر عن طوائفه، لكن ما يعنينا أن السلاح الذي سيتم شراؤه سيذهب معظمه وأكثره أهمية إلى اللواء الذي يدعمه حزب الله، وهنا كأننا نسلّح هذا الحزب ونقوي شوكته.

والأهم من ذلك الآن أن إصرار السعودية على دعم الجيش اللبناني يؤكد أنها كانت تتعامل بمنطق أنه جيش وطني بحاجة إلى دعم لتأمين الدولة اللبنانية وضمان أمن شعبها وحفظ مكتسباته، وفي ذلك تجسيد لتمسك السعودية بمبادئها والوفاء بوعودها والتزاماتها.

وفي مقابل تلك المواقف المشرّفة للمملكة، جاءت المواقف اللبنانية مخيّبة للآمال، فالمملكة لم تطلب من لبنان اتخاذ أي مواقف تتعلق بدعم مواقفها أو ترجيحها، لأنها تفترض أن ساسته انطلاقاً من حرصهم على دولتهم سيقومون بما ينبغي عليهم القيام به، وهنا كان لافتاً أنهم لم يعيروا أي اهتمام للجانب الأخلاقي في مواقفهم، بل فضّلوا عليه التبعية المطلقة للعمامة الفارسية.

والغريب في الأمر أنه على رغم أن المملكة لم تسعَ إلى فرض أجندة معينة على لبنان وحكومته المعطلة بأمر من حزب الله، إلا أن هؤلاء الساسة أصحاب القرار اختاروا السير في مشروع فارسي مضاد، يبقيهم تحت مظلته، على رغم أنه لا مصلحة لهم فيه، بل ويختطف عروبتهم.

ولعل الصحافة اللبنانية المحسوبة على حزب الله توضح لنا المشهد فهي أثارت الموضوع بصورة لا تخلو من الحشو والثرثرة للاستهلاك الإعلامي، إذ بررت إيقاف دعم السعودية بانخفاض أسعار النفط، وهناك من ادعى أن السعودية سعت لابتزاز لبنان من خلال الدعم، والبعض ألمح إلى سحب الودائع وتسفير اللبنانيين العاملين في الخليج، كل ذلك لغرض استقطاب المواطن اللبناني إلى الضفة الأخرى، وأيضاً لتضليله والإيحاء له بأنه تم الاستغناء عنه.

بيد أننا نجدد القول للمواطن اللبناني بأن هذا الدعم هدفه كان تعزيز دولته، لكن تلك الدولة عندما تصبح عملياً أداة إيرانية هدفها تفتيت الأمتين الإسلامية والعربية، فهنا لا بد أن يتغيّر الموقف السعودي كرد فعل طبيعي ومنطقي اُتخذ بناء على المواقف اللبنانية المضادة.

رسالة السعودية اليوم واضحة، فالحياد أمام مشروع بناء تقوده الرياض، وآخر هدم تقوده طهران، لا مكان له الآن، فإما أن تكون مع البناء وإما مع الهدم، لكنك لا يمكن أن تكون بينهما.

زر الذهاب إلى الأعلى