حسن مدن-الخليج: علينا أن نقارن بين الطريقة التي حللت بها وسائل الإعلام العالمي، فوز صادق خان بمنصب عمدة لندن، ممثلاً لحزب العمال، ملحقاً الهزيمة بمرشح المحافظين المخضرم، وبين الطريقة التي عالج بها بعض الإعلام العربي هذا الفوز.
وضع الإعلام الرصين الفوز في سياقه السياسي، سياق المنافسة بين الحزبين الرئيسيين في بريطانيا، ومن حيث كونه تعبيراً عن المتغيرات الديمغرافية في بنية لندن، العاصمة الأوروبية المهمة إن لم تكن الأهم، التي كانت يوماً مركز الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وغدت نموذجاً للطابع الكوزموبليتي العابر للهوية الأحادية.
أما وسائط التواصل عندنا وبعض إعلامنا البائس فلم تجد في أمر صادق خان سوى جذوره الإسلامية، وكأن المسلمين فتحوا لندن، مع أن خان لم يقدم نفسه في حملته الانتخابية بصفته هذه، وإنما بصفته ممثلاً لحزب المعارضة البريطانية.
نائب في برلمان خليجي كتب على «تويتر» مبتهجاً بالأصول الشيعية لصادق خان، وآخر من القماشة ذاتها أعاد النظر في تغريدة سابقة له مبتهجة أيضاً بفوز صادق خان بعد أن اكتشف أن الرجل «رافضي». ومثل هذين المثالين يوجد الكثير من «بؤس» الخطاب وهزليته وعبثيته، ما يرينا البون الشاسع بين الطريقة التي يفكر بها العالم المتحضر وبين «التفكير» الرائج عندنا، ونضع الكلمة بين مزدوجين لأنه من المشكوك فيه، أصلاً، ما إذا كنا نستخدم عقولنا للتفكير.
لم يتحدث هؤلاء «المرضى» عما توفره الآليات الديمقراطية من فرص متساوية ومتكافئة لجميع الناس بصرف النظر عن جذورهم الدينية والعرقية، حين يثبتون عبر عصاميتهم ومثابرتهم ودأبهم أنهم جديرون بالوصول إلى أعلى المناصب لا عبر «الواسطة» أو المحسوبية، ولا لأن المحاصصات الطائفية تتيح لمن هب ودب أن يتبوأ من المراكز ما هو غير جدير به، فيما مصير الكفاءات التهميش والإقصاء.
في لندن، لم يلتفت أحد إلى جذور صادق خان، وإنما توقفوا أمام حسن أدائه، وقوة برنامجه الاجتماعي، وفي هذا يكمن الفرق بين الديمقراطية واللا ديمقراطية، بين الحضارة والجهل، بين عقول تفكر وأخرى معطلة.