جون سوبيل- بي بي سي.. قبل الخوض في أسباب اهتمام الولايات المتحدة بشأن استمرار بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو خروجها منه، يجب أن نوضح شيئا سريعا: أمريكا لا تهتم بالقضية، والمؤسسة السياسية تهتم بها.
أظن أنك لو سألت أمريكيا عاديا في الشارع عن كلمة “Brexit” (الكلمة الإنجليزية التي تشير إلى احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبية)، فإن أول ما قد يتبادر إلى ذهنه أنك تتحدث عن نوع من البسكويت الجديد لذيذ الطعم.
وبعيدا عن الصحف البارزة، مثل واشنطن بوست ووول ستريت جورنال ونيويورك تايمز، يكاد يغيب أي نقاش حول الاستفتاء المزمع في بريطانيا الشهر المقبل.
وأعتقد أنه لم يحدث نقاش بشأن القضية على شبكات التلفزيون الأمريكية، باستثناء وقت زيارة الرئيس باراك أوباما للندن وطرحه الأمر خلال مؤتمره الصحفي مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
وحتى في هذا الموقف، فقد كان لقضية مستقبل علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي تبعات أقل بالنسبة للجمهور الأمريكي بالمقارنة من مأدبة الرئيس الأمريكي والسيدة الأولى مع ملكة بريطانيا ودوق أدنبره بعد يوم من احتمال الملكة بعيد ميلادها التسعين.
وبعد توضيح هذا الفارق، لنطرح هذا السؤال: هل تهتم مؤسسة واشنطن بهذا الأمر؟ الإجابة ببساطة هي نعم.
عندما كنت في لندن أثناء زيارة أوباما الأخيرة، قيل لي إن “المؤسسة” في الولايات المتحدة ليست بالفعل مهتمة بشأن مستقبل علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، لكنها تدخلت بناء على طلب من كاميرون.
لكن هذا محض هراء، فلن تجد هذا العدد الكبير من وزراء الخزانة الأمريكيين السابقين يوقعون على خطاب إلى صحيفة “التايمز” دعما لبقاء بريطانيا في الاتحاد إذا لم يكونوا يؤمنون حقا بما يقولون.
وينطبق الأمر ذاته على قام به وزراء خارجية ودفاع سابقين ورؤساء لوكالة الاستخبارات المركزية ومستشارين معنيين بالأمن القومي.
من المؤكد أن بالنظر إلى الاستطلاعات يبدو كاميرون في حاجة إلى المساعدة، والأمريكيون ساعدوا حليف قديم. لكن ثمة سبب آخر يتمثل في قلق عميق لدى واشنطن بشأن الأثار المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولا يتعلق القلق فقط بشأن طبيعة الضرر الذي قد يحدث لبريطانيا، بل يتعلق بتداعيات جيوسياسية محتملة أوسع نطاقا.
لقد دأبت الولايات المتحدة على الاعتقاد بأن بريطانيا تعد طرفا حيويا لشراكة عبر الأطلسي. وعندما تكون العلاقات متوترة بين أوروبا والولايات المتحدة، تسمع صناع السياسة الأمريكيين يتحدثون عن قدرة بريطانيا على لعب دور وسيط ونقل رسائل إلى بروكسل، مثلا، ربما يساور واشنطن قلق بشأن توصيلها مباشرة.
وتعني هذه “العلاقة الخاصة” أن هناك تبادل غير مسبوق لمعلومات استخباراتية وتعاون في مجال الدفاع. كما يوجد نحو 800 جندي بريطاني في أمريكا يخدمون في جميع أفرع الجيش الأمريكي.
وعلى الصعيد التجاري، يعتقد الأمريكيون أن بريطانيا ستُحرم بشدة إذا وجدت نفسها وحيدة في العالم تتفاوض على معاهدة تجارية مع الولايات المتحدة. وكما قال الرئيس الأمريكي في تصريح مثير للجدل عندما كان في لندن أن بريطانيا ستكون في أخر الطابور في أي اتفاق في المستقبل.
وثمة قلق بالغ بشأن احتمال أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى عدم استقرار داخله. هل ستطلب دول أوروبية أخرى إجراء استفتاء بشأن البقاء كجزء من الاتحاد الأوروبي؟ وهل سينهار المشروع الأوروبي بالكامل؟ وما هو الأثر المتوقع على الاقتصاد العالمي في وقت مازالت تنهض فيه الدول من تأثيرات الأزمة المالية التي حدثت في عام 2008؟ وماذا سيكون التأثير على الأمن الجماعي؟ ولماذا تحرص روسيا على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟.
لقد كانت أوروبا مصدرا للاستقرار، وشريكا تجاريا كبيرا للولايات المتحدة. وتعد اتفاقية الشراكة للاستثمار والتجارة عبر الأطلسي هي جائزة التي يسعى من أجلها صناع السياسة الأوروبيين والأمريكيين، بدلا من ظهور أسباب جديدة لعدم الاستقرار. وكانت وزير الخارجية السابقة مادلين أولبرايت واضحة بشدة عندما قالت إنه في مصلحة أمريكا والعالم أن تظل بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي.
إذن، نعم تراقب مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية المسألة ببالغ القلق والاهتمام. ويمكن الحكم على ذلك من خلال الخطابات التي أرسلت إلى صحيفة التايمز إلى جانب الدعوات التي تسلمتُها لحضور مناقشات في واشنطن بشأن الموضوع.